أحدهما : الجواز بالمعنى الأعمّ الذي هو بمعنى مطلق الإذن ، وهو قدر مشترك بين الواجب ، والسنّة ، والإباحة ، والكراهة.
وثانيهما : الجواز بالمعنى الأخصّ وهو استواء الطرفين ، وهذا إمّا أن يكون ثبوته بحكم (١) الشارع وبيانه ، فهو الإباحة الشرعيّة التي هي من الأحكام الخمسة ، أو من العقل فهو الإباحة العقليّة الأصليّة التي تكون هي الأصل في الأشياء والأفعال قبل بيان الشارع.
والوجوب ماهيّة مركّبة من الجواز بالمعنى الأعمّ والمنع من الترك ، والأوّل جنسه ، والثاني فصله ، فالأمر الدالّ على الوجوب يدلّ على جنسه تضمّنا ، وليس الجواز بالمعنى الأخصّ جزءا للوجوب ؛ لأنّه قسيمه ، ولا مدخليّة للإباحة العقليّة للوجوب ؛ لأنّها ليست من أحكام الشرع ، فلا كلام في أنّ كلّ فعل رفع وجوبه يجوز الإقدام عليه ؛ نظرا إلى الإباحة الأصليّة إن كان حكمه قبل الوجوب ذلك. فالخلاف في أنّه إذا رفع الوجوب هل يبقى الجواز بالمعنى الأعمّ الذي هو جزؤه ، أم لا؟
والتحقيق عدم بقائه ؛ لأنّه جنسه ، والمنع من الترك فصله ، والجنس متقوّم بفصله ، فإذا رفع الفصل يرفع الجنس أيضا.
فإن قيل : الجنس محتاج إلى فصل ما ، لا إلى فصل معيّن ، فرفع هذا الفصل ـ أعني المنع من الترك ـ مستلزم لرفع الجنس إذا لم يخلفه فصل آخر ، مع أنّ رفع المنع من الترك يقتضي ثبوت الإذن فيه ، فيكون هذا فصلا للجنس المذكور ، فكان أوّلا في ضمن الوجوب ، وثانيا في ضمن الجواز بالمعنى الأخصّ.
قلنا : أمّا أوّلا : فحدوث الفصل الآخر إمّا أن يكون قبل ارتفاع الجنس ، أو معه ، أو بعده. والأوّل غير ممكن ؛ لأنّه متأخّر عن ارتفاع الفصل الأوّل الذي يقارنه ارتفاع الجنس. وعلى الأخيرين يتحقّق ارتفاع الجنس. فإن حدث بعد ذلك ، لا يكون الجواز الذي كان في ضمن الواجب ، ولا يصدق حينئذ أنّه رفع الوجوب وبقي الجواز ، مع أنّه بعد ارتفاع الجنس والفصل لا مقتضي لحدوث هذا الجنس وفصل آخر ، فرجع الأمر حينئذ إلى ما كان
__________________
(١) في « ب » : « لحكم ».