المراد من الأمر فعل المأمور به ، فكان الواجب الفحص عن كلّ أمر حتّى يعلم أنّه من الفرد الذي يستلزم الامور المذكورة أم لا ، مع أنّ القوم يحكمون باستلزام مطلق الأمر للامور المذكورة من غير فحص.
هذا ، مع أنّ صحّة التكليف المذكور مستلزمة للإغراء بالجهل ؛ لأنّ المأمور معتقد حينئذ إرادة الآمر منه الفعل مع أنّه ليس كذلك. والمثال الذي ذكر ـ لو سلّم حسنه ـ تمّ في حقّ غير الله ؛ لأنّ المطلوب منه تحصيل العلم بحال الغير ، والله غنيّ عن ذلك.
احتجّ الخصم : بأنّه لو لم يصحّ التكليف بفعل علم عدم شرطه ، لم يكن تارك كلّ مكلّف به عاصيا ؛ لأنّ من شروطه إرادة المكلّف ، والله علم عدم الإرادة منه (١).
والجواب : أنّ المراد من الشرط شرط الواجب المقيّد الذي ليس تحصيله واجبا على المكلّف ، أو شرط الواجب المطلق الذي لم يقدر المكلّف على تحصيله ؛ فإنّه لو علم انتفاء هذين الشرطين في الواقع ، لم يصحّ التكليف.
وأمّا شرط الواجب المطلق الذي كان المكلّف قادرا على تحصيله ، فيصحّ التكليف بمشروطه. والإرادة من هذا القبيل ؛ فإنّ المكلّف يقدر على تحصيلها ، فعدمها من سوء اختياره ، فلا يسقط به التكليف.
ولو كان المراد من الشرط شرط الواجب المطلق الذي أمكن تحصيله ، لم يكن فرق بين هذه المسألة وما تقدّم (٢) من أنّ التكليف بالواجب المطلق لا يتوقّف على حصول شرطه.
ولهم بعض أدلّة ضعيفة أخر (٣). وجوابها في غاية الظهور ، ولذا لم نتعرّض لها.
وفروع هذه القاعدة كثيرة : كعدم وجوب الكفّارة على من أفطر في نهار رمضان عمدا ثمّ مات ، أو جنّ ، أو مرض ، أو سافر ؛ لأنّ كلاّ منها كاشف عن عدم وجوب الصوم ؛ لانتفاء شرطه.
وكعدم وجوب قضاء الحجّ عمّن أيسر ومات في سنة اليسر قبل التمكّن من الحجّ.
__________________
(١) حكاه الشيخ حسن في معالم الدين : ٨٤.
(٢) في ص ١٦٦ ـ ١٦٧.
(٣) راجع معالم الدين : ٨٤.