وأمثالها (١) ، مع أنّه قد ورد بعض النصوص عن أئمّتنا عليهمالسلام بأنّ القرآن نزل على حرف واحد ، وكذب من زعم أنّه نزل على سبعة أحرف ، والاختلاف إنّما جاء من قبل الرواة (٢).
ويمكن الجواب : بأنّه لمّا ثبت تواتر القرآن ، ووصل إلينا باعتبار اختلاف الرواة القراءات السبع على نهج واحد من حيث الشهرة ، ولا يمكن تخصيص واحدة منها بالتواتر والحجّيّة ، وإلاّ لزم الترجيح بلا مرجّح ، فحكم بتواتر السبع وحجّيّتها وإن لم يكن النازل من عند الله إلاّ قراءة واحدة ، وتقرير الأئمّة وأمرهم بها لأجل هذا ، وعدم إظهارهم ما هو الحقّ للتقيّة ، والغرض أنّه ثبت تواتر القرآن وحجّيّته ، ويعلم أنّه نزل بقراءة واحدة ، إلاّ أنّه وقع الاختلاف في نقله لأسباب نذكرها ، فنقلوه لنا على النحو المذكور ، فيمكن أن يكون واحدة منها حجّة ، ويمكن أن يكون بعض من كلّ واحدة منها حجّة ، إلاّ أنّ ذلك ليس بمعلوم لنا. فيلزم إمّا القول بعدم التواتر والحجّيّة مطلقا ، أو بالترجيح بلا مرجّح ، أو حجّيّة القراءات السبع وتواترها. والأوّلان باطلان ضرورة ؛ فالأخير حقّ.
ثمّ المخالف للمشهور صاحب الكشّاف من العامّة (٣) ، وابن طاوس (٤) ، ونجم الأئمّة (٥) من أصحابنا ؛ فإنّهم حكموا بعدم تواتر القراءات السبع وحجّيّتها.
ويمكن أن يحتجّ له بمنع تواترها ؛ لأنّ القوم صرّحوا بأنّ لكلّ قار من القرّاء السبعة راويين ، وقولهما لا يفيد العلم ، مع أنّ شرط ثبوت التواتر استواء الطرفين والوسط في إفادة العلم ، فحصول التواتر ـ لو سلّم ـ إنّما هو في الطبقة اللاحقة لا الاولى ، وهو غير كاف.
ولو سلّم تواترها عن القرّاء السبعة ، فلا نسلّم حجّيّتها وجواز العمل بها ؛ لأنّهم كانوا من أهل الخلاف استبدّوا بآرائهم ، وتصرّفوا في القرآن بمجرّد الاستحسان من غير استناد إلى
__________________
(١) فسّرها بذلك ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر ١ : ٣٦٩ ، « ح ر ف ».
(٢) الكافي ٢ : ٦٣٠ ، باب النوادر ، ح ١٢ و ١٣.
(٣) قال في الكشّاف ٢ : ٦٩ ـ ٧٠ في ذيل تفسير قوله تعالى : ( وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) : « والذي حمله ... » حيث يدلّ على أنّ قراءة ابن عامر كانت رأيا منه ، والصواب والصحيح خلافه ، وهذا إنكار تواتر القراءات السبع.
(٤) انظر سعد السعود : ٣٦٢ ـ ٣٦٣.
(٥) قال في شرحه على الكافية ٢ : ٣٣٦ : « لا نسلّم تواتر القراءات السبع ».