وقيل : لو كان نظريّا لساغ الخلاف فيه ، وليس كذلك (١).
وفيه ما فيه ؛ فإنّ كثيرا من النظريّات القطعيّة موضع وفاق.
وذهب بعض الناس إلى أنّه نظريّ (٢). واحتجّ : بأنّه متوقّف على أنّ المخبر عنه محسوس ، وأنّ المخبرين جماعة لا يجوز تواطؤهم على الكذب ، فيكون نظريّا ؛ لتوقّفه على الوسط.
والجواب : أنّ العلم لا يتوقّف عليه ، بل هو حاصل ضرورة. ومثل هذا الوسط يمكن فرضه لكلّ ضروريّ (٣) ، كالانقسام إلى المتساويين لزوجيّة الأربعة ، واشتمال الكلّ على جزء آخر لأعظميّة الكلّ من الجزء.
نعم ، كثيرا ما يشتبه بالنظريّ ؛ لخفاء الشروط الآتية المعتبرة فيه ، فيحتاج إلى التأمّل ليظهر تحقّقها أو عدمه. ونظيره بعض التصديقات الضروريّة حيث يتوقّف العقل فيه ؛ لعدم تصوّر الطرفين ؛ فإنّه يجوز كون التصديق ضروريّا ، وتصوّر طرفيه نظريّا.
وتوقّف المرتضى (٤) ؛ لعدم دليل صالح على أحد الطرفين ، وقد عرفته (٥).
وذهب الغزالي إلى أنّه (٦) ليس ضروريّا لا يحتاج إلى ملاحظة الوسط مطلقا ، ولا نظريّا يحتاج إلى الحركة الفكريّة والشعور بتوسّط الوسط ، بل الواسطة حاضرة في الذهن ، إلاّ أنّها لا تحتاج إلى الحركة والشعور بتوسّطها (٧).
ومراده من الواسطة ما ذكر في حجّة القول بكونه نظريّا.
ولا يخفى أنّ قوله راجع إلى ثبوت الواسطة بين الضروريّ والنظريّ ، وفساده ظاهر.
__________________
(١) نسبه ابن الحاجب إلى الجمهور في منتهى الوصول : ٦٨ ، ومختصر المنتهى : ١٥٢.
(٢) منهم : أبو القاسم البلخي ، كما في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٨٥ ، ونسبه ابن الحاجب إلى الكعبي والبصري في منتهى الوصول : ٦٨ ، ومختصر المنتهى : ١٥٢.
(٣) غير القضيّة الاولى ، وهي استحالة ارتفاع النقيضين ، أو عدم الواسطة بين النفي والإثبات. وأمّا استحالة اجتماع النقيضين ، فهي أيضا معلّلة باستلزام اجتماعهما ثبوت الواسطة.
(٤) الذريعة إلى اصول الشريعة ٢ : ٤٨٥.
(٥) آنفا.
(٦) أي العلم الحاصل من التواتر.
(٧) المستصفى : ١٠٦ و ١٠٧.