دون الوجوب ، فاسد ؛ لأنّه لا معنى لجواز الحذر وندبه ، بل إن حصل موجبه وجب ، وإلاّ انتفى رأسا.
فإن قيل : الإنذار إن كان المراد منه الإخبار فلا يثبت منه وجوب الحذر مطلقا ؛ لأنّ الإخبار عن المباح والندب والمكروه لا يوجب وجوب الحذر ، وإن كان المراد منه التخويف ـ كما هو الظاهر منه ـ فلا يثبت منه إلاّ حجّيّة الخبر عن الواجب والحرام دون غيرهما من الأحكام ، فالمدّعى ـ وهو حجّيّة مطلق الخبر ـ أعمّ ممّا ثبت.
قلنا : نختار الثاني ، ونثبت حجّيّة الخبر عن غيرهما بالأولويّة ، وعدم القول بالفصل.
نعم ، قيل بالعكس في بعض الأخبار (١) كما يجيء (٢).
والقول (٣) بأنّه يمكن أن يكون المراد من الإنذار التخويف على ترك أو فعل ثبتا (٤) بطريق القطع ، فإنّه يحصل للنفس منه خوف وإن كان من خبر واحد ، لا يلائم التفقّه ، كما لا يخفى.
فإن قيل : المراد من التفقّه معرفة الاصول ، أو الاجتهاد في الفروع ، فيكون المراد من الإنذار الفتوى ، ومن الحذر التقليد.
قلت : الأوّل خلاف المتبادر ؛ لأنّ العرف ما يفهم من التفقّه إلاّ معرفة الفروع ، وإن حمل على معناه اللغوي ـ أعني مطلق التفهّم ـ يثبت منه المطلوب.
والثاني غير صحيح ؛ لأنّ الاجتهاد والتقليد بالمعنى المصطلح إنّما حدثا بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة ؛ لسدّ أبواب الفقه وعدم الظفر بمطلوبهم كما ينبغي. وأمّا في زمانهم وأمثاله ، فكان التمكّن حاصلا ، فلم يكن الاحتياج إليهما ، فيجب أن يكون المراد من التفقّه إمّا المعنى اللغويّ ، أو ما كان متعارف أصحاب النبيّ والأئمّة عليهمالسلام ومن يليهم ، فيكون المراد من الإنذار إلقاء كلامهم ، ومن الحذر وجوب الاستماع له.
__________________
(١) والمراد بها أخبار من بلغ التي تأتي في ص ٢٦١ ؛ فإنّ مضمون تلك الأخبار هو حجّيّة الخبر القائم على الاستحباب والمكروه ، وإثبات حجّيّة القائم على الوجوب والحرام بالأولويّة. والقائل به كلّ من قال بدلالة أخبار من بلغ على حجّيّة الخبر الضعيف في مورد الاستحباب والمكروه.
(٢) في ص ٢٦١.
(٣) قاله العلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٣٨٤ ، والفاضل التوني في الوافية : ١٦٣.
(٤) والمناسب لكلمة « أو » هو إفراد الفعل.