بإبلاغ الأحاديث إلى الناس (١). والأخبار الواردة بضبط كتب الأحاديث (٢). فهذه الأخبار وإن لم تكن مستقلّة في إفادة الحجّيّة ؛ نظرا إلى أنّها لم تبلغ حدّ التواتر ، فلا شكّ في كونها مقوّية لها.
ومنها : قوله تعالى : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )(٣).
وجه الاستدلال به : أنّه يدلّ على وجوب الحذر عند إنذار الطائفة من كلّ فرقة ، وهو (٤) بعمومه يشمل الكثير والقليل ، فيصدق على الثلاثة قطعا إن لم يصدق على الاثنين ، فإذا لم يعتبر فيه عدد التواتر ، فبعضه (٥) أولى بذلك ، وهذا يدلّ على وجوب العمل بخبر الواحد.
ثمّ الضمير في الأفعال الثلاثة وإن رجع إلى مجموع الطوائف ، والمراد من القوم وإن كان جميع من يصل إليه الإنذار منهم ، إلاّ أنّ المراد التوزّع ـ بأن يختصّ بإنذار كلّ بعض من القوم بعض من الطوائف ، قلّ أو كثر ـ لا الاجتماع ، وإلاّ بطل الفائدة. وهذا كما يقال : أمر السلطان بإرسال واحد من كلّ مائة ليقاتلوا أعداءه ؛ فإنّ الضمير في الفعل المذكور فيه وإن رجع إلى جميع الذاهبين ، إلاّ أنّ المقاتلة تحصل بكلّ واحد منهم. ولو كان عدد التواتر شرطا ، لوجب أن يقال : ولينذر كلّ واحد من الطوائف ، أو ما يحصل به التواتر كلّ واحد من القوم.
وغير خفيّ أنّ فهم وجوب الحذر من الآية لدلالتها على ذمّ عدم النفر والإنذار ، وهو موجب لوجوب الحذر ؛ ولامتناع (٦) الترجّي على الله ، فحمل على الطلب ؛ لكونه لازما للترجّي ؛ فإنّ المترجّى طالب ، وعدم وجود مجاز أرجح منه.
والإيراد عليه (٧) : بأنّه إذا امتنع يجب الحمل على أقرب المجازات وهو مطلق الطلب
__________________
(١) منها ما في الكافي ١ : ٤٠٣ ، باب ما أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله بالنصيحة ... ، ح ١ و ٢.
(٢) منها ما في المصدر : ٥٢ ، باب رواية الكتب ، ح ٩ و ١٠.
(٣) التوبة (٩) : ١٢٢.
(٤) أي كلّ فرقة ، أو لفظ فرقة.
(٥) أي إذا لم يعتبر في صدق لفظ « فرقة » عدد التواتر ، ففي صدق لفظ « الطائفة » التي هي بعض من الفرقة غير معتبر بطريق أولى.
(٦) هذا دليل آخر لفهم وجوب الحذر من الآية.
(٧) أي على الدليل الثاني. وضمير « امتنع » راجع إلى الترجّي.