بني المصطلق ، فلمّا دنا ديارهم ، ركبوا مستقبلين له ، فظنّ أنّ ركوبهم لمقاتلته ، فرجع وأخبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّهم ارتدّوا ، فالأمر بالتبيّن إنّما هو في هذا الخبر لا في مطلقه. وأيّده بأنّ التعليل الواقع فيه يجري فيه وفي أمثاله (١).
وجوابه : أنّ تخصّص السبب لا يدلّ على تخصّص الحكم ؛ فإنّ مدار الاستدلال على اللفظ ، واللفظ هنا للعموم ؛ لأنّ التنكير في « فاسق » و « نبأ » للعموم ، وحمله على التعظيم ـ مع بعده ـ يرد عليه ما سنذكره (٢). وليس المراد من التعليل الوقوع في الفساد المذكور ، بل عرضته. فالمطلوب أنّ قبول خبر الفاسق في عرضة هذا الفساد وشرفه ، كما يقال : لا تسافر وحدك ؛ فيضلّ عنك الطريق.
وأيضا إن حمل الآية على المورد بأن يكون المراد منه إن جاءكم مثل الوليد بمثل هذا النبأ الذي يستلزم قبوله قتل النفوس وأمثاله ، فتبيّنوا خوف أن تصيبوا ... ، فيدلّ بالمفهوم على عدم التثبّت في نبأ لا يكون الجائي به مثل الوليد ، أولا (٣) يشتمل على مثل هذا الفساد ، فإمّا يجب ردّه وهو ظاهر البطلان ؛ للزوم ردّ خبر عادل يستلزم ردّه قتل النفوس وأمثاله ، فيلزم كون العدل أسوأ حالا من مثل الوليد ، أو قبوله. فمع عدم القول به يندرج فيه المطلوب (٤).
واعترض عليه أيضا : بأنّ العمل بالمفهوم لا يصحّ في المورد ؛ لعدم قبول خبر العدل في الردّة (٥) ، فغيره أولى بذلك ، فيلزم أن يكون المراد بـ « فاسق » أحدا أو رجلا حتّى ينتظم معنى الآية. والتعبير عنه بالفاسق للإشعار بكون المخبر فاسقا (٦).
والجواب : أنّه مخصّص من عموم المفهوم بدليل من خارج ، والقول به أولى من صرف
__________________
(١) أورده الشيخ في العدّة في أصول الفقه ١ : ١١٢. والقصّة مذكورة في أسباب النزول للواحدي : ٢٦٨ ـ ٢٦٩.
(٢) في هامش « أ » : « لقوله : وأيضا إن حمل الآية على المورد إلى آخره ».
(٣) في « ب » : « ولا ».
(٤) توضيحه : أنّ المأخوذ في المنطوق أمران : فسق المخبر ، وكون النبأ مهمّا. فللمفهوم عند وجود النبأ ثلاث صور : كون المخبر عادلا والنبأ مهمّا أو غير مهمّ ، وكون المخبر فاسقا والخبر غير مهمّ ، فيدلّ المفهوم على حجّيّة الخبر في الصور الثلاث ، والمطلوب هو القسمان الأوّلان ، والثالث خارج ؛ ولذا قال المصنّف رحمهالله : « فمع عدم القول به ـ أي بعموم المفهوم ـ يندرج فيه المطلوب ».
(٥) في « ب » : « الردّ ».
(٦) قاله العلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٣٩١ ـ ٣٩٢ ، باب في السنّة.