الكلام عن حقيقته (١) ، فاللازم إبقاء اللفظ على الوصفيّة وإرادة العموم منه ، ومن نبأ ، ومن المفهوم ، إلاّ فيما ثبت المخصّص. والتأمّل في جواز التخصيص في المورد دون غيره مجرّد استبعاد ؛ فإنّه كما يجوز تخصيص العامّ ببعض أفراد المورد أو كلّها ، وإخراج ما عداه عنه (٢) ، فكذا يجوز تخصيصه ببعض أفراد غيره أو كلّها ، وإخراج ما عداه عنه ، ولا بدّ لنفيه من دليل.
ثمّ الاستدلال على المطلوب بهذه الآية من مفهوم الشرط لا الصفة ـ كما توهّم (٣) ـ لأنّه علّق وجوب التبيّن على مجيء الفاسق بالخبر. فهذا المجيء الخاصّ هو الشرط والعلّة ، فبانتفاء كلّ جزء منه ينتفي الجزاء. وليس الشرط هو مطلق المجيء ، أو مطلق المجيء بالخبر حتّى يقال : فهم انتفاء الجزاء عند انتفائهما من باب مفهوم الشرط ، وفهم انتفائه عند انتفاء مجيء الفاسق بالخبر ، ومجيء العدل به من باب مفهوم الصفة ، ولذا لو قيل : « إن جاءك العلماء (٤) فأكرمهم » يعلم انتفاء إكرام غيرهم من مفهوم الشرط ، ولو قيل : « أكرم العلماء » يعلم انتفاء إكرام غيرهم من مفهوم الصفة.
هذا ، مع أنّا نعلم أنّ الصالح للعلّيّة فيما نحن فيه ليس إلاّ إخبار الفاسق ؛ لمناسبته للتثبّت ، واقترانه معه.
ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى )(٥) الآية. أوعد على كتمان ما أنزل من البيّنات والهدى ؛ فيجب الإظهار ، والمسموع من النبيّ والأئمّة عليهمالسلام من الهدى ؛ فيجب إظهاره (٦) ؛ فيجب العمل به ، وإلاّ لم يكن للإظهار فائدة (٧).
والإيراد (٨) عليه : بأنّ المتبادر من « ما أنزل » القرآن ، ومع التسليم أين وجوب العمل؟ لا يخلو عن تأمّل.
__________________
(١) وهو إرادة أحد أو رجل من الفاسق.
(٢) في « ب » : « منه ».
(٣) توهّمه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٧١.
(٤) في « ب » : « فاسق العلماء ».
(٥) البقرة (٢) : ١٥٩.
(٦) لم يرد في « ب » : « فيجب إظهاره ».
(٧) ذكره العلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٣٩٣.
(٨) أورده السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٥٣٥.