والمدّعى وإن كان حقّا عندنا ـ فإنّه يجب العمل بخبر الواحد عقلا ، كما ثبت من الدليل الأوّل (١) ، ونقلا كما ثبت من باقي الأدلّة ـ إلاّ أنّ هذا الدليل (٢) لا يخلو عن تأمّل ؛ لإمكان منع وجوب العمل بالظنّ في تفاصيل ما يجب قطعا ، بل العمل به فيها (٣) أولى ؛ للاحتياط. على أنّه ربما يكون الاحتياط ترك العمل به ، كما إذا احتمل العمل به مضرّة. فهذا النقض غير وارد ، كما أنّ النقض بالشهادة والفتوى (٤) أيضا كذلك ؛ لإمكان أن يقال : إنّهما مخصّصان بدليل من خارج.
وثانيهما : إصرار المرتضى رحمهالله في نفي حجّيّته ، وادّعاؤه الإجماع عليه. وذكر أنّ شيوخ الطائفة ورؤساءهم قد ملئوا الطوامير ، وسطّروا الأساطير في الاحتجاج عليه والنقض على من خالفهم ، وصرّح بأنّهم يعلمونه بديهة ، كما يعلمون بطلان القياس (٥). وقد كرّر أمثال هذه العبارات في كتبه ، ولو لم يتّضح له لما أصرّ بهذه المثابة.
وجوابه : أنّ كلامه معارض بما ذكره الشيخ من المبالغة ، ودعوى الإجماع على خلافه (٦). وكيف يسمع دعوى الضرورة في أنّ الإماميّة ينكرون العمل بخبر الواحد ، مع أنّا نعلم قطعا أنّ معظمهم يعملون به؟!
وأيضا لا شبهة في بقاء التكليف ، فإن اكتفي فيه بالظنّ ، فهو حاصل من خبر الواحد ، وإلاّ يلزم التكليف بالمحال ؛ لعدم إمكان تحصيل القطع في شيء من مضامين أخبار الآحاد.
والقول بأنّ معظم الفقه يعلم بالضرورة ، والتواتر ، و (٧) الإجماع ـ كما قال المرتضى رضى الله عنه (٨) ـ ضعيف ؛ لضرورة العلم بخلافه.
__________________
(١) تقدّم في ص ٢٢٩ ومرّ الباقي فيما بعدها.
(٢) والمراد به هو النقض.
(٣) في « ب » : « فيهما ».
(٤) راجع معارج الاصول : ١٤٢.
(٥) راجع جوابات المسائل التبّانيّات ( ضمن رسائل الشريف المرتضى / ج ١ ) : ٢٤.
(٦) راجع العدّة في أصول الفقه ١ : ١٢٦.
(٧) في « ب » : « أو ».
(٨) حكاه عنه الشيخ حسن في معالم الدين : ١٩٦ ، ولم أجده في كتبه.