التزام التكاليف الشرعيّة ، وهي ليست بطبيعيّة ، والأصل ما يقتضيه الطبع. ولا يعارضه ما روي أنّ كلّ مولود يولد على الفطرة (١) ؛ لأنّ المراد منه معرفة التوحيد.
ومنها : الضبط ، وليس المراد منه عدم السهو أصلا ؛ لأنّه لا يوجد في غير المعصوم ، بل رجحان الذكر على السهو ، ولا خلاف في اشتراطه ؛ إذ مع التساوي أو المرجوحيّة لا يحصل الظنّ بصحّة ما رواه ؛ إذ ربما يسهو فيزيد ، أو ينقص بحيث يضطرب به معنى الحديث ، أو يبدّل لفظا بآخر إلى غير ذلك ممّا يختلف به الحكم.
ويعرف ضبطه بأن يذكر أشياء كثيرة مرّة بعد اخرى من غير تغيّر يختلف به المعنى ، وأن يعتبر رواياته بروايات الثقات المشهورين بالضبط والإتقان ، فإن وافقهم (٢) غالبا ولو في المعنى ، عرف أنّه ضابط ، وإلاّ علم اختلاله.
والحكم بصحّة الحديث بمجرّد توثيق علماء الرجال رواية (٣) من غير نصّ على ضبطهم لاندراجه (٤) في لفظ « ثقة » فإنّهم يريدون به العدل الضابط ؛ لأنّه من الوثوق ولا وثوق بمن لا ضبط له. وهذا هو السرّ في اختيار هذا اللفظ من سائر ألفاظ التعديل.
ولقائل أن يمنع ذلك ؛ فإنّ التصفّح يعطي عدم ضبط طائفة صرّحوا بتوثيقهم ؛ فإنّهم ذكروا أنّ حبيب بن معلّى الخثعمي ثقة ثقة (٥) ، مع أنّه روي في الفقيه أنّه سأل حبيب بن المعلّى أبا عبد الله عليهالسلام ، فقال : « إنّي رجل كثير السهو ، فما أحفظ عليّ صلاتي » (٦). انتهى. والظاهر أنّه الخثعمي لا السجستاني ؛ لعدم رواية الصدوق عنه كما يظهر عن مشيخته ، فعلى هذا لا منافاة بين الاعتماد بقول رجل يكون سهوه أكثر من ذكره ، أو مساويا له. والسرّ فيه : أنّ من هذا شأنه يكون كثير المراجعة والمذاكرة ، وشأنه الإثبات في أصل جامع عند السماع ، فلا يفوت منه شيء.
__________________
(١) الكافي ٢ : ١٢ ، باب فطرة الخلق على التوحيد ، ح ٤.
(٢) كذا في النسختين. والأولى : « فإن وافقتها » ـ بقرينة « ولو في المعنى » ـ كما في قوانين الاصول ١ : ٤٦٣.
(٣) كذا في النسختين. والصحيح : « رواته » بقرينة « ضبطهم ».
(٤) متعلّق بمقدّر خبر لقوله : « الحكم ».
(٥) رجال النجاشي : ١٤١ ، الرقم ٣٦٨.
(٦) الفقيه ١ : ٢٥٥ ، ح ٧٨١. ليس فيه : « عليّ ».