ثمّ الظاهر عدم الخلاف بيننا في جواز الرواية بالإجازة إذا تحقّقت في إحدى الصور المذكورة ، ووجوب قبولها والعمل بها إذا نقل المجاز له إلى غيره.
والقول بنفيه مطلقا ممّا نسب إلى بعض العامّة (١) ، وهو ضعيف ؛ لأنّك عرفت أنّ الإجازة إخبار إجماليّ (٢) ـ إلى آخره ـ وما هذا شأنه لا مجال للتوقّف في قبوله.
وربما نسب القول بالنفي إلى المرتضى أيضا ؛ لما يوهمه كلامه في الذريعة (٣).
وهو لا يدلّ على ذلك ، كما لا يخفى على المتأمّل فيه.
الخامسة : أن يقول : « أجزت الكتاب الفلاني » أو « مسموعاتي لجميع الامّة الموجودين » ، وهذه إجازة معيّن أو غير معيّن لغير معيّن ، وقد وقع فيها الخلاف.
والحقّ ـ كما ذهب إليه أعاظم علمائنا ـ قبولها (٤) وكونها كالصور المتقدّمة ؛ لأنّها مثل الإجازة للموجودين المعيّنين ؛ إذ (٥) العامّ في حكم الأفراد ، ولا فرق بينهما إلاّ بالاختصار والتطويل. فلو أجازه لغير العامّ المبهم كأن يقول : « أجزت لرجل » أو « رجلين » أو « لزيد » وكان مشتركا بين جماعة لم يصحّ. ولو كان المجاز له واحدا يعرفه المجيز باسم أو وجه ، أو جماعة كذلك ، صحّ وإن لم يعرفهم بأعيانهم.
والتعليق في الإجازة مبطل ؛ لاستلزام الإبهام ، كأن يقول : « أجزت لمن يشاء فلان ».
ولو كانت الإجازة في قوّة المطلقة ، فالظاهر صحّتها ، نحو : « أجزت لفلان إن شاء الإجازة » أو « لمن شاء الإجازة » ؛ لأنّ ذلك ليس تعليقا حقيقيّا ، بل حكاية حال.
وتصحّ لغير المميّز من المجانين والأطفال. وقد أجاز بعض مشايخنا لأولاده الصغار (٦) ،
__________________
(١) نسب ابن الصلاح في مقدّمته : ١٠٦ بطلان الإجازة والرواية بها إلى إبراهيم بن إسحاق الحربي وأبي محمّد عبد الله بن محمّد الأصبهاني ، الملقّب بأبي الشيخ ، والحافظ أبي نصر الوائلي السنجري.
(٢) تقدّم في ص ٣٠٠.
(٣) الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٥٦١.
(٤) منهم : الشهيد حيث طلب من شيخه السيّد تاج الدين ابن معيّة الإجازة له ، ولأولاده ، ولجميع المسلمين. راجع شرح البداية : ١٣٩.
(٥) في « أ » : « إذا ».
(٦) منهم السيّد ابن طاوس لولده غياث الدين. راجع شرح البداية : ١٤١. وعنه في مقباس الهداية ٣ : ١٢٨. ومنهم المحقّق الخوانساري لولده جمال الدين ، كما في الرسائل الرجاليّة للكلباسي ٢ : ٥٤٢.