عليهم التأسّي به فيه ، بل التأسّي في بعضه يكون واجبا ، وفي بعضه ندبا ، وفي بعضه مباحا ، كما سيجيء تفصيله (١).
وقبل الخوض فيه لا بدّ من بيان مقدّمة. وهي أنّ التأسّي في الفعل هو أن يفعل صورة ما فعل الغير على الوجه الذي فعله لأجل أنّه فعل. وفي الترك هو أن يترك مثل الذي ترك لأجل أنّه ترك.
والاتّباع قد يكون في الفعل والترك وهو مثل التأسّي. وقد يكون في القول وهو امتثال ما يقتضيه من الفعل والترك.
وقد وقع الخلاف في أنّ الحكم بثبوت التأسّي به هل هو شرعي فقط ، أو شرعي وعقلي معا؟ والظاهر الأوّل ، وفاقا للشيخ (٢) وجماعة (٣) ؛ لأنّه يجوز اختلاف مصالح العباد في الشرعيّات ، كاختلاف حكم الفقير والغنيّ ، والحائض والطاهر ، والحاضر والمسافر ، والصحيح والعليل ، وغير ذلك ممّا لا يحصى. وإذا جاز ذلك ، فلا يمتنع أن يكون مصالح النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأوصيائه عليهمالسلام مخالفة لمصالح الرعيّة ، فلا يحكم العقل بثبوت التأسّي.
واحتجاج الخصم بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث ليبيّن الشرائع للامّة قولا أو فعلا ، فكلّ ما صدر منه يشترك فيه جميع الناس (٤) ، يظهر فساده ممّا ذكر. فظهر أنّ إثبات كون الامّة مثله فيما يجري فيه التأسّي موكول إلى السمع.
وإذا عرفت ذلك ، فلا بدّ من بيان الصور المتصوّرة في أفعاله ، والإشارة إلى أنّ أيّ (٥) صورة يجري فيها التأسّي سمعا وجوبا أو ندبا ، وأيّها (٦) لا يجري فيها.
فنقول : أفعاله عليهالسلام لا تخلو عن ثمانية (٧) صور :
[ الصورة ] الاولى : ما ظهر كونه من الأفعال الطبيعيّة ، كالأكل والشرب ، والنوم
__________________
(١) في ص ٣٠٧.
(٢) العدّة في أصول الفقه ٢ : ٥٧٠ و ٥٧١ و ٥٧٦.
(٣) منهم : السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٥٧٠ ، والبصري في المعتمد ١ : ٣٤٦ ، والعلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٢ : ٥٥٦.
(٤) راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول ٢ : ٥٥٦ ـ ٥٥٧.
(٥ ـ ٧) كذا في النسختين. والأولى : « أيّة ، أيّتها ، ثماني ».