الفعل أو الترك يجب الإتيان بمثله.
فإن قيل : على ما ذكرت تدلّ الآية على عموم وجوب التأسّي ، بمعنى وجوب كلّ ما فعله وعلم وجهه علينا ، ومنه المندوب والمباح ، فيلزم وجوبهما علينا (١).
قلت : مقتضى الآية ذلك ، ولكن دلّ الدليل الخارجي على عدم وجوب التأسّي فيهما ، فيخرجان عن عمومها ، ويكون التأسّي في الندب ندبا ، وفي المباح مباحا.
أو نقول : المفهوم من الآية مطلق طلب الاسوة الشامل للواجب والمستحبّ ، والذمّ والتهديد باعتبار أحد جزءيه (٢) ، ولا يشمل الاسوة فيها الاسوة في المباح ؛ لأنّ المراد من الاسوة فيها الاسوة فيما قصد فيه القربة ، كما يدلّ عليه سياقها.
والإيراد المذكور يرد ظاهرا على جميع ما نذكر ممّا يدلّ على عموم وجوب الاتّباع والتأسّي. وينبغي الجواب عنه بأحد الوجهين.
وقد أجاب المحقّق (٣) عن أصل الاحتجاج بأنّ « الاسوة » ليست من ألفاظ العموم ، فتصدق بالمرّة الواحدة ، وقد توافقنا على وجوب التأسّي به في بعض الأشياء ، فلعلّ ذلك هو المراد.
ولا يخفى أنّ العرف يفهم منه وجوب التأسّي به في جميع الامور ؛ فإنّه لا يقال عرفا :
« لفلان اسوة في فلان » إذا كان تابعا له في أمر واحد.
ولنا أيضا : قوله تعالى : ( فَاتَّبِعُوهُ )(٤) ، وقوله تعالى : ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ )(٥) ، والأمر للوجوب ، والاتّباع يشمل الاتّباع في القول والفعل. والثاني الإتيان بالفعل بالوجه الذي فعله ، وهو ما نحن بصدد إثباته ، فثبت منه (٦) المطلوب.
والإيراد عليه بمثل ما اورد على آية الاسوة قد عرفت جوابه (٧) بأحد الوجهين.
__________________
(١) مع كونهما غير واجبين عليه صلىاللهعليهوآله.
(٢) كذا في النسختين. والأولى : أحد فرديه.
(٣) معارج الاصول : ١١٩.
(٤) الأنعام (٦) : ١٥٣.
(٥) آل عمران (٣) : ٣١.
(٦) في « ب » : « فيثبت عنه ».
(٧) آنفا.