والجواب عن الاستدلال بمثل ما أجاب به المحقّق عن آية الاسوة قد عرفت فساده.
ولنا أيضا : القطع برجوع الصحابة إلى أفعاله المعلومة جهتها ؛ فإنّهم خلعوا في الصلاة لمّا خلع فيها ، وحلقوا لمّا حلق ، وذبحوا لمّا ذبح ، ولم يتمتّعوا بالعمرة إلى الحجّ لمّا لم يتمتّع ، مع أنّه أمرهم بذلك ، فأقرّهم عليها ، ولم ينكر عليهم. ومتابعتهم له فيها لم تكن لمطلق فعله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل إمّا لأنّها كانت من هيئات الصلاة والحجّ ، واستفادوا وجوبها من قوله : « صلّوا كما رأيتموني » (١) وقوله : « خذوا عنّي مناسككم » (٢). أو لأنّهم فهموا القربة فيها فرأوها مندوبة لا واجبة. وسيجيء (٣) أنّ الفعل إذا كان بيانا للمجمل الواجب واجب ، وكلّ فعل ظهر فيه قصد القربة يكون ندبا على الأصحّ.
وقبّل عمر الحجر ، وقال : أعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع ، ولو لا أنّي رأيت رسول الله قبّلك ما قبّلتك (٤).
ورجعوا في وجوب الغسل وعدمه بالتقاء الختانين إلى عائشة ، فقالت : فعلت أنا ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فاغتسلنا (٥) ، فأوجبوا الغسل بمجرّد فعله. وفهم الوجوب لم يكن من مجرّد الفعل ، بل إمّا لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل » (٦).
أو لأنّه كان بيانا لقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا )(٧) ، والأمر للوجوب ، فيكون بيانا للواجب.
أو لأنّه من شروط الصلاة ، فيكون بيانا لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « صلّوا كما رأيتموني » (٨).
وسألت أمّ سلمة عن جواز قبلة الصائم ، فقالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يفعل. فقال السائل :
__________________
(١) صحيح البخاري ١ : ٢٢٦ ، ح ٦٠٥.
(٢) صحيح مسلم ٢ : ٩٤٣ ، ح ٣١٠ / ١٢٩٧ مع اختلاف يسير.
(٣) في ص ٣١٢.
(٤) ذكره أصحاب المجاميع الحديثيّة كالبخاري ومسلم في فضل تقبيل الحجر الأسود من كتاب الحجّ والمناسك ، وحكاه العلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٢ : ٥٣٨.
(٥) مسند أحمد ٢ : ٥٩٥ ، ح ٦٦٨٢.
(٦) كنز العمّال ٩ : ٣٧٦ ، ح ٢٦٥٤٤.
(٧) المائدة (٥) : ٦.
(٨) تقدّم آنفا.