مستحبّة ، مع أنّه ثبت عندنا بدليل آخر (١) أنّها عبادة. وزعم بعض العامّة (٢) أنّها للجبلّة ؛ لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما فعلها بعد ما بدن وحمل اللحم ، ورووا عنه أنّه قال : « لا تبادروني بالركوع والسجود ... إنّي قد بدّنت » (٣) وهذا ينافي ما روي أنّه صلىاللهعليهوآله لم يكن سمينا (٤).
ومنها : دخوله مكّة من ثنيّة كداء ـ بفتح أوّله مع المدّ ـ وهي الثنيّة العليا ممّا يلي المقابر ، وخروجه من ثنيّة كدى (٥) ـ بالضمّ والقصر ـ وهي السفلى ممّا يلي باب العمرة ، فهل ذلك لأنّه صادف طريقه ، أو لأنّه سنّة؟ وتظهر الفائدة في استحبابه لكلّ داخل. وعلى ما اخترناه لا يخفى حقيقة الحال.
ومنها : نزوله بالمحصب (٦) لمّا نفر في الأخير (٧) ، وتعريسه لمّا بلغ ذا الحليفة (٨) ، وذهابه بطريق في العيد ، ورجوعه بآخر (٩).
وبعد ما أحطت بما ذكر تعرف الحقّ فيها وفي أمثالها.
[ الصورة ] الثامنة : أن يعلم كونه عبادة ـ أي ظهر فيه قصد القربة ـ ولم يعلم جهته ، ففي وجوبه واستحبابه والتوقّف فيه أقوال ، أوسطها وسطها ؛ لأنّه لمّا ظهر قصد القربة يثبت الرجحان. والمنع من الترك زيادة لا يثبت إلاّ بدليل ، والأصل عدمها ، والرجحان بدون المنع من الترك هو الندب ؛ وما ذكر من حكاية الاحتياط (١٠) يدلّ على ذلك أيضا.
احتجّ الموجب بالأدلّة الدالّة على عموم وجوب التأسّي ، كما تقدّم (١١).
وقد عرفت (١٢) أنّ معنى التأسّي إيقاع الفعل على الوجه الذي فعله ، وغاية ما دلّت عليه
__________________
(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٨٣ ، ح ٣٠٥.
(٢) المغني لابن قدامة ١ : ٥٦٧.
(٣) كنز العمّال ٧ : ٦٠٣ ، ح ٢٠٤٦٧.
(٤) لم نظفر عليه.
(٥) صحيح البخاري ٢ : ٥٧١ ، ح ١٥٠٠.
(٦) المحصب : هو الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح بين مكّة ومنى. راجع النهاية في غريب الحديث والأثر ١ : ٢٣٢ ، « ح ص ب ».
(٧ ـ ٩) راجع سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٩ ـ ١٠٢٦ ، ح ٣٠٦٧ ـ ٣٠٧٤.
(١٠) في ص ٣١٣.
(١١) في ص ٣٠٦.
(١٢) في ص ٣٠٥ ـ ٣٠٦.