ثبوته وكون الامّة مثله ، ومجرّد ذلك لا يدلّ على أنّ كلّ فعله واجب علينا ، بل إثبات الوجوب علينا يتوقّف على العلم بوجوبه عليه ، والمفروض هاهنا خلافه.
واحتجّ أيضا بأنّ الاحتياط يقتضي حمله على الوجوب ؛ ليأمن الإثم قطعا ، كما في صلاة نسيها ولم يعلمها بعينها.
وجوابه : أنّ كلّ احتياط ليس واجبا ، بل موارده مختلفة ، والواجب منه إنّما هو فيما ثبت وجوبه ، وعلم اشتغال الذمّة به يقينا ، كالصلاة المنسيّة ، أو كان ثبوته هو الأصل ، كصوم الثلاثين من رمضان إذا شكّ فيه ؛ إذ الأصل بقاؤه حتّى يعلم المزيل. وأمّا فيما لم يثبت وجوبه ولم يكن ثبوته هو الأصل ، فليس الاحتياط فيه واجبا ، سيّما إذا كان ثبوت خلافه هو الأصل كما نحن فيه ، بل الاحتياط حينئذ مستحبّ على الأقوى ، كما يجيء تحقيقه مفصّلا (١).
هذا ، ويرد عليه : أنّه إذا كان اتّباعه في جميع ما فعله ولم يعلم جهته واجبا علينا ، يلزم كون فعل واحد واجبا وندبا أو مباحا علينا ؛ للقطع بأنّ بعض ما فعله ولم يعلم جهته ندب ، أو مباح.
والتزام أنّ جميع ما فعله ممّا لم يعلم جهته فعلى وجه الوجوب ، بعيد عن الحقّ.
واحتجّ المتوقّف بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يفعل العبادة الواجبة والمستحبّة ، والمفروض عدم الإشعار للفعل بوجهه الذي وقع عليه ، فيتساوى فيه الاحتمالان ، ومعه يلزم التوقّف (٢).
وقد ظهر جوابه ممّا ذكر (٣).
وكيفيّة التفريع : أنّه كان اللازم ـ على ما اخترناه ـ الحكم باستحباب الموالاة في الطهارات الثلاث ، وفي الطواف والسعي ، وخطبة الجمعة والعيد ، والقيام في الخطبة ، والمبيت بمزدلفة ، إلاّ أنّ كلّ ذلك ثبت وجوبه عندنا بدليل من خارج ، سوى الموالاة في الغسل ؛ فإنّ الحكم فيها موافق القاعدة. وقس عليها أمثالها.
__________________
(١) في باب الاشتغال.
(٢) حكاه العلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٢ : ٥٥١.
(٣) آنفا.