إلى أنّ ما ذكر من قوله صلىاللهعليهوآله قضيّة خاصّة ببعض الحروب ، فيكون تصرّفا خاصّا بالإمام.
ومنها : قوله عليهالسلام : « من أحيا أرضا ميتة فهي له » (١).
فقيل : تبليغ وإفتاء ، فيجوز لكلّ أحد الإحياء ، ومن أحياه بقصد التملّك يتملّكه ، ولا يتوقّف على إذن الإمام (٢).
وقيل : تصرّف بالإمامة ، فلا يجوز الإحياء إلاّ بإذنه (٣).
والأوّل أقوى ؛ لما ذكر من أغلبيّة تصرّفه بالتبليغ ، فيجوز لكلّ أحد الإحياء في زمان الغيبة ، ولا يتوقّف على إذن الإمام ، ولا على إذن نائبه العامّ. واشتراط إذنه عليهالسلام في زمان حضوره ـ كما ذهب إليه الأكثر ـ لدليل من خارج.
ومنها : لو زوّج مجتهد امرأة بالمخالف المسلم مثلا ، أو بدون إذن الوليّ ، أو أذن لغيره في تزويجها كذلك ، فهو حكم ولا يجوز لمجتهد آخر نقضه.
وأمّا إذا قال بالإطلاق : « يجوز عندي التزويج بالمخالف المسلم » أو « بغير إذن الوليّ » من غير إلزام ، فهو فتوى يجوز نقضه ، وإذا سمعه مقلّده ففعله فهل يصير لازما ؛ نظرا إلى أنّه يجوز للمقلّد العمل بفتوى مجتهده ، أو لا ؛ لعدم صدور حكم ، وبدونه يجوز النقض لمجتهد آخر؟ والظاهر الثاني. وجواز عمل المقلّد بمجرّد التبليغ إنّما هو في أمر لا يكون للحكم مدخل فيه كالعبادات ، وما نحن فيه ليس كذلك.
ونظيره ما لو قال مجتهد : « في مال التجارة زكاة » أو « في الميراث خمس » ومجرّد قوله هذا لا يرفع الخلاف ، بل لغيره من المجتهدين أن يخالفه ؛ ولو سمعه مقلّده فأخذه عنفا ، لا يصير لازما.
نعم ، لو اتّصل به أخذ الحاكم ممّن حكم عليه بالوجوب ، يصير لازما ولا يجوز نقضه ؛ لأنّ أخذه للفقراء حكم باستحقاقهم فلا ينقض.
__________________
(١) جامع الاصول ١ : ٣٤٨ ، ح ١٣١.
(٢) القول للشافعي وأبي يوسف ، راجع الشرح الكبير ـ ضمن المغني ـ ٦ : ١٦٨.
(٣) راجع : المبسوط ٣ : ٢٧٠ و ٢٩٥ ، وشرائع الإسلام ٣ : ٢١٦ ، وقواعد الأحكام ١ : ٢١٩ ، وتحرير الأحكام ١ : ١٢٩.