ذلك لأجل تعبّده بشرع غيره ، بل كان أصلا في شرعه ؛ فإنّه يمكن أن يتّفق الشرعان في بعض الأحكام بطريق الوحي ، ولا يكون المتأخّر حينئذ (١) تابعا للمتقدّم.
واتّفاق العلماء على الاستدلال بقوله تعالى : ( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ )(٢) على وجوب القصاص في ديننا ، ولو لا أنّه متعبّد بشرع من تقدّمه ، لما صحّ هذا الاستدلال.
وجوابه : أنّه لما علموا بدليل من خارج ؛ إذ (٣) ما تضمّنه ممّا اوحي إلى نبيّنا صلىاللهعليهوآله وصار من شرعه وإن كان شرع غيره أيضا ، ولا يدلّ على تبعيّته أصلا ، كما عرفت (٤).
وقوله صلىاللهعليهوآله : « من نام عن صلاة أو نسيها ، فليصلّها إذا ذكرها » (٥) ثمّ تلاوته قوله تعالى :
( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي )(٦) ، وهو مقول لموسى ، وسياق كلامه يدلّ على الاستدلال ، وإلاّ لم يكن لتلاوته فائدة ، ولو لم يكن متعبّدا بشريعة موسى لما صحّ الاستدلال.
وجوابه كما علمت في سابقه. وأكثر الوجوه المذكورة يعمّ المقامين ، وبعضها يخصّ المقام الأوّل ، وبعضها الثاني.
وإذا عرفت ذلك فتعلم أنّ شرع من قبلنا ليس شرعا لنا ـ وإن لم يرد عليه ناسخ ـ ما لم يعلم ثبوته في ديننا ، وعلى قول من خالفنا يكون ما ثبت من شرعهم شرعا لنا وإن لم يعلم ثبوته من خارج في ديننا. ويتفرّع عليه فروع كثيرة :
منها : الاستدلال على أرجحيّة العبادة على التزويج إذا لم تتق النفس إليه ؛ نظرا إلى مدح الله يحيى بكونه ( سَيِّداً وَحَصُوراً )(٧).
وعلى ما اخترناه لا يخفى حقيقة الحال.
ومنها : الاحتجاج على صحّة كون عوض الجعالة مجهولا ، وعلى مشروعيّة أصل
__________________
(١) لم يرد في « ب » : « حينئذ ».
(٢) المائدة (٥) : ٤٥.
(٣) في « أ » : « أنّ ».
(٤) آنفا.
(٥) عوالي اللآلئ ١ : ٢٠١ ، ح ١٧.
(٦) طه (٢٠) : ١٤.
(٧) آل عمران (٣) : ٣٩.