وجوابه : أنّ « الملّة » محمولة على اصول العقائد دون الشرعيّات. ويدلّ عليه قوله تعالى : ( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ )(١) ، فلو أراد الشرعيّات ، لما جاز نسخ شيء منها.
وقوله : ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً )(٢).
وجوابه : أنّ المراد من الدين العقائد الحقّة ، ولو كان المراد منه الشرعيّات ، لبحث عن شريعة نوح ، ولا خلاف في أنّه لم يبحث عنها أصلا. ويحتمل أن يكون وصايته به أمرا منه يقوله عند انتهاء أعقابهم إلى زمانه عليهالسلام ، أو يكون معنى وصّى به اطّلعه (٣) عليه وأمره بحفظه.
وقوله : ( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ )(٤).
وجوابه : أنّ التشبيه في الوحي لا يستلزم التشبيه في الشرع.
وقوله : ( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ )(٥).
وجوابه : كما ذكر.
وقوله : ( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ )(٦).
وجوابه : أنّ ظاهره غير مراد ؛ لأنّ جميع النبيّين لم يحكموا بها ؛ لتقدّم أكثرهم عليها ، فالمراد أنّهم يحكمون بصحّة ورودها عن الله ، وأنّ فيها نورا وهدى ، ولا يلزم منه أن يكونوا متعبّدين بالعمل بها.
وأنّه قبل البعثة كان يعتزل للعبادة ـ أي الصلاة ، والحجّ ، والعمرة ، والطواف بالبيت ـ وكان يذكّي اللحم ، ويجتنب الميتة.
وجوابه : أنّه يوحى إليه قبل البعثة أو يلهم بأشياء تخصّه ، وكان متعبّدا بما يوحى إليه ويلهم. وبعد البعثة أيضا يوحى إليه ببعض الأحكام الثابتة في الشرائع المتقدّمة. ولم يكن
__________________
(١) البقرة (٢) : ١٣٠.
(٢) الشورى (٤٢) : ١٣.
(٣) كذا في النسختين. والأولى : « أطلعه ».
(٤) النساء (٤) : ١٦٣.
(٥) تكرار الآية باعتبار إضافة « والنبيّين ».
(٦) المائدة (٥) : ٤٤.