موسى حيّا لما وسعه إلاّ اتّباعي » (١).
وما روى الجمهور أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لمّا بعث معاذا قال له : « بم تحكم؟ » قال : بكتاب الله ، قال : « فإن لم تجد؟ » قال : بسنّة رسوله ، قال : « فإن لم تجد؟ » ، قال : أجتهد رأيي (٢). ولم يذكر رجوعه إلى كتب الأنبياء ، فأقرّه النبيّ صلىاللهعليهوآله على ذلك ودعا له.
وأيضا لو كان متعبّدا بشريعة غيره لما توقّف في قضيّة ظهار (٣) ، والميراث (٤) ، والإفك (٥) وغيرها على نزول الوحي ؛ لأنّ لها أحكاما ظاهرة في الشرائع المتقدّمة.
وأكثر هذه الوجوه يجري في المقامين ، وبعضها يجري في المقام الثاني فقط.
هذا ، وقد أجاب بعض من خالفنا عن هذه الأدلّة بوجوه ضعيفة فسادها ظاهر لمن له أدنى تأمّل ، ولذلك لم نذكرها.
واحتجّوا على صحّة ما ذهبوا إليه بوجوه فاسدة هي بالإعراض عنها حقيق (٦). وما يمكن منها أن يدوّن في الكتاب ما احتجّوا به من رجوعه صلىاللهعليهوآله في معرفة الرجم في الزنى إلى التوراة (٧).
والجواب : أنّ رجوعه إليه لإقامة الحجّة على من أنكر وجوده فيه.
وقوله تعالى : ( فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ )(٨) ، وشرعهم من هداهم ، فوجب عليه اتّباعه.
وجوابه : أنّه يتضمّن الأمر بالهدى (٩) المضاف إلى كلّهم ، فيجب أن يكون المراد منه ما اتّفقوا عليه من اصول العقائد دون شرعهم ؛ لأنّه مختلف ووقع فيه النسخ.
وقوله تعالى : ( ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً )(١٠).
__________________
(١) نقله ابن كثير في تفسير القرآن العظيم ١ : ٣٨٦.
(٢) سنن الدارمي ١ : ٧٠ ، وعون المعبود ٣ : ٣٣٠.
(٣) كذا في النسختين. والأولى : الظهار. انظر تفسير الطبري ٢٨ : ٤.
(٤) انظر ملخّص إبطال القياس : ٧.
(٥) انظر تفسير الطبري ١٨ : ٧١.
(٦) كذا.
(٧) انظر المعتمد ٢ : ٣٤١.
(٨) الأنعام (٦) : ٩٠.
(٩) أي الأمر بالاقتداء بالهدى.
(١٠) النحل (١٦) : ١٢٣.