الاطّلاع على الاتّفاق ؛ لقلّة المجمعين ووجود فتاويهم. فإذا اطّلع بعض من في عصر المعصوم ـ مثلا ـ بالتتبّع على اتّفاق الأصحاب على حكم ، فنقله يكون حجّة لمن تعقّبهم ، ونقلهم ـ إذا اطّلعوا عليه أيضا بالتتبّع ، أو من نقل من تقدّم ـ حجّة لمن بعدهم ، وهلمّ جرّا إلى زمان انتشار الأقوال ؛ فإنّ نقل أهله حينئذ حجّة لمن تعقّبهم إذا كان مستندا إلى نقل السابقين. وإذا كان مستندا إلى تتبّعهم ، لم يكن حجّة لمن بعدهم ؛ لعدم تمكّنهم من العلم بأقوال السابقين ، بل المعاصرين أيضا ؛ لكثرتهم وانتشار أقوالهم (١).
وفيه : ما عرفت من أنّ أرباب التصانيف بذلوا جهدهم في ضبط الأقوال ، ونقل كلّ متأخّر قول من تقدّمه ، فلم يخرج قول من ضبطهم ، فيتمكّن أهل كلّ عصر عن العلم بها ، وأصحاب الأئمّة لم يكن من عادتهم أن يصنّفوا كتبا يذكرون فيها فتاويهم ، بل دأبهم أنّ كلّ ما يسمعونه من المعصوم يسندونه إليه ، ولا يقتصرون على مجرّد الفتوى ، كما لا يخفى على المتتبّع لأقوالهم. وأكثر ما أسندوه نقله حفّاظ الأخبار ، كالمحمّدين الثلاثة ، فإن أمكن استنباط مذاهبهم من كتبهم يمكن استنباطها من كتب نقلة الحديث ، مع أنّهم ـ لشدّة اهتمامهم في ضبط الأقاويل ـ نقلوا ما اشتهر من فتاويهم ، ولذا نقل فتاوى جعفر والحسن ابني سماعة ، وعليّ بن أسباط ، وعليّ بن الحسين ، وابن حذيفة في باب الخلع من التهذيب (٢) ، وفتاوى الحسين بن سماعة ، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم ، ومعاوية بن حكيم وغيرهم في باب عدّة النساء منه (٣) ، وفتوى جميل بن درّاج في باب المرتدّ والمرتدّة منه (٤) ، وفتاوى فضل بن شاذان (٥) ، ويونس بن عبد الرحمن في كتاب الميراث من الفقيه (٦). وقس عليها غيرها ممّا تطّلع عليه بعد التتبّع. وقد أكثر عنهم النقل في الكافي (٧).
__________________
(١) أشار إليه الشيخ حسن في معالم الدين : ١٧٥.
(٢) تهذيب الأحكام ٨ : ٩٧ ، ذيل الحديث ٣٢٨.
(٣) المصدر : ١٢٤ ، ذيل الحديث ٤٣١.
(٤) المصدر ١٠ : ١٣٧ ، ذيل الحديث ٥٤٤.
(٥) الفقيه ٤ : ٢٥٩ ، ذيل الحديث ٥٦٠٣ ، و ٢٨٦ ، ذيل الحديث ٥٦٥٠.
(٦) لم نعثر على فتاوى يونس بن عبد الرحمن في الفقيه ولكن روى أحاديث عن الأئمّة عليهمالسلام وهي في الحقيقة فتاواه كما في الفقيه ٤ : ٢٣٠ ، ح ٥٥٤٤ و ٢٨٠ ، ح ٥٦٢٥.
(٧) الكافي ٦ : ٩٢ ـ ٩٦ ، باب الفرق بين من طلّق على غير السنّة وبين المطلّقة إذا خرجت وهي في عدّتها أو أخرجها زوجها.