ولو سلّم أنّه لم يقع التصريح بخصوص قول كلّ واحد من السابقين ، نقول ـ كما قال بعض أهل التحقيق (١) ـ : إنّ أقوالهم لا تخرج عن أقوال اللاحقين ؛ لأنّ نقلة الأخبار وحفظة الآثار ـ على كثرتهم وانتشارهم في أقطار الأرض ـ لطول مساعيهم وتوفّر دواعيهم ، أخذوا العلم والرواية عن أصحاب الأئمّة ، ولحقهم آخرون وأخذوا عنهم ، وكذلك تعقّب الخلف السلف ، والآتي الماضي ، وهلمّ جرّا إلى زمن المشايخ المتأخّرين الذين دوّنوا الفقه ، وضبطوا الأقوال ، وميّزوا بين الخلاف والوفاق ، فلا يكون قول من أقوال المتقدّمين خارجا من قولهم وإن لم يقع التصريح به بخصوصه ، فالأقوال في كلّ حكم منحصرة بالأقوال المضبوطة في الكتب الموجودة عندنا الآن ، فإذا تفحّصنا فيها ووجدنا اتّفاق ما فيها من الأقوال على حكم ، علمنا اتّفاق جميع الأصحاب عليه وعدم مخالف له.
ومع قطع النظر عن ذلك كلّه نقول : هنا مقدّمة مسلّمة عند المحقّقين من أهل الكلام والاصول والميزان تسمّى بالقطعيّات العاديّة (٢) يستعملونها في المطالب العظيمة يثبت بها مطلوبنا ، وهي أنّه قد يمكن بنحو من التتبّع حصول الاطّلاع على اتّفاق جميع خواصّ طائفة على حكم وهو أن يتتبّع أحد أقوال بعض مشاهيرهم ، فوجدها متطابقة على حكم ، ولم يجد منهم مخالفا ، وانضمّ إليه بعض القرائن الدالّة على الاتّفاق ، فإنّه يجد من نفسه حينئذ العلم به وإن لم يحط بأقوال الكلّ خبرا ؛ لأنّ العادة تحكم بأنّه لو كان فيه مخالف ، لظهر منه أثر فيما بينهم ، فلو وجدنا بالتتبّع تطابق أقوال جماعة من مشاهير القدماء والمتأخّرين على حكم ، فيمكن أن يحصل لنا العلم بالاتّفاق عليه بالمقدّمة المذكورة وإن لم يتتبّع أقوال جميعهم.
ثمّ إنّه ليس المراد أنّه يمكن لكلّ مجتهد تحصيل العلم بالتتبّع بالوفاق في جميع الأحكام الوفاقيّة ؛ فإنّه محال عادة ، بل المراد إمكان ذلك في الجملة.
هذا ، مع أنّه لمّا كان العبرة عندنا في ثبوت الإجماع بدخول قول المعصوم ، فكلّ
__________________
(١) راجع معالم الدين : ١٧٥.
(٢) راجع : العدّة في أصول الفقه ١ : ١٣ ، والقواعد الجليّة : ٣٩٤ ، وشرح المواقف ١ : ٦٢.