قول المعصوم في أقوالهم إذا كانوا جماعة علم من حالهم أنّهم لا يقتحمون على الإفتاء بغير علم ، وهو أيضا نادر.
هذا ، وذهب بعضهم إلى أنّه حجّة وإجماع ، محتجّا بأنّ سكوتهم دليل ظاهر في موافقتهم. وقد عرفت جوابه (١).
وقيل : إنّه حجّة لا إجماع (٢) ؛ لأنّ سكوتهم ظاهر في موافقتهم ؛ لما علم من عادة الصحابة والتابعين ومن تأخّر عنهم من المجتهدين أنّهم مع المخالفة يظهرون الإنكار ، كما لا يخفى على من تتبّع آثارهم ، فيحصل منه ظنّ بالوفاق وهو كاف للحجّيّة.
وفيه : أنّه مع قيام الاحتمالات المذكورة لا يحصل ظنّ ينتهض حجّة لتأسيس الأحكام ، ونفيه رأسا تعسّف ؛ لما نقل عن عادتهم ، كما نقل عن ابن عبّاس أنّه سكت في مسألة العول أوّلا ، ثمّ أظهر الإنكار ، فقيل له في ذلك ، فقال : « إنّ عمر كان رجلا مهيبا » (٣).
نعم ، إن علم موافقتهم بالقرائن ، فلا كلام في حجّيّته ، كما ذكرناه.
وقال بعضهم : إنّه إجماع بشرط انقراض العصر (٤) ؛ لأنّ استمرارهم على السكوت إلى الموت يضعف قيام الاحتمالات المذكورة ، فيكون ظاهرا في الموافقة.
وظهر ممّا ذكر جوابه.
وقيل : إن كان القول فتوى فإجماع ، وإلاّ فلا (٥) ؛ لأنّ الحاكم يهاب دون المفتي ؛ ولأنّ الفتيا ممّا يخالف ويبحث عنه دون الحكم.
وفساده ظاهر.
وقيل : إنّه إجماع إن كان في عصر الصحابة ، وكان فيما يفوت استدراكه ، كإراقة
__________________
(١) آنفا وهو عدم صلاحيّة مثله لتأسيس الحكم الشرعي.
(٢) هو قول أبي هاشم ، كما حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ٣١٢ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٣ : ٢٩٥.
(٣) حكاه الغزالي في المستصفى : ١٥١ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ٣١٢ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٣ : ٢٩٨.
(٤) حكاه الغزالي في المستصفى : ١٥١. ونسبه الفخر الرازي إلى الجبائي في المحصول ٤ : ١٥٣.
(٥) قاله أبو عليّ بن أبي هريرة من أصحاب الشافعي ، كما حكاه عنه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ٣١٢ ، والفخر الرازي في المحصول ٤ : ١٥٣.