بأصل الإباحة أيضا ، ووجهه ظاهر. وقد ورد به بعض الأخبار من طرقنا (١) أيضا.
المقام الثالث : في أصالة براءة الذمّة عن حقوق الناس حتّى يثبت شغلها. وقد أجمع عليه المسلمون ، ودلّ عليه أكثر الأدلّة المتقدّمة (٢).
ثمّ إجراء أصل البراءة في نفي الحكم الشرعي مشروط بأمرين :
أحدهما : أن يكون بعد ضبط طرق الاستدلالات الشرعيّة وعدم الظفر بما يدلّ على ثبوته.
قيل : ويتفرّع على هذا اشتراط حجّيّة أصل البراءة عن حقوق الناس بعدم عروض ما يناسب شغل الذمّة ، وأمّا إذا عرض ذلك ، فلا يقطع بحجّيّته ، كما إذا حبس شاة فمات ولدها ، أو أمسك رجلا فهربت دابّته وهلكت ، أو فتح قفصا لطائر فطار. ولا يمكن في هذه الصور إجراء الأصل في نفي شغل الذمّة عن ولد الشاة والدابّة والطائر ، بل لا بدّ للمفتي التوقّف عن الإفتاء ، ولصاحب الواقعة الصلح (٣).
أقول : ما يناسب شغل الذمّة إن انتهض حجّة له ، فلا يجوز التمسّك حينئذ بالأصل ، وإلاّ جاز ، فلا وجه للتوقّف ، فمن يدرج الصور المذكورة في قوله عليهالسلام : « لا ضرر ولا ضرار » (٤) لا يتمسّك فيها بالأصل ، ومن لا يدرجها فيه يتمسّك به فيها.
وثانيهما : أن لا يكون مستلزما لإثبات حكم شرعي من جهة اخرى ؛ لما عرفت من أنّه ينتهض دليلا لنفي الحكم الشرعي لا لإثباته ، فإذا علم نجاسة أحد الإناءين واشتبه بالآخر ، فلا يصحّ التمسّك في جواز الطهارة من أحدهما بالأصل ؛ لأنّه مستلزم لوجوب الاجتناب من الآخر ، وكذا الحكم في الزوجة المشتبهة بالأجنبيّة ، والثوب الطاهر المشتبه بالنجس ، والحلال المشتبه بالحرام المحصور وغير ذلك.
وقال بعض المتأخّرين : ويشترط أن لا يكون الأمر المتمسّك فيه بالأصل جزء عبادة
__________________
(١) راجع الفقيه ١ : ٣١٧ ، ح ٩٣٧.
(٢) تقدّمت في ص ٣٨٦ ـ ٣٨٨.
(٣) قاله الفاضل التوني في الوافية : ١٩٣ و ١٩٤.
(٤) دعائم الإسلام ٢ : ٤٩٩ ، ح ١٧٨١ ، والفقيه ٤ : ٣٣٤ ، ح ٥٧١٨ ، ومستدرك الوسائل ١٣ : ٣٠٧ ، باب ثبوت خيار الغبن للمغبون ، ح ٣.