الأدلّة المتقدّمة ما لم يحصل القطع باستعمال الحرام أو النجس ، وهو إنّما يتحقّق باستعمال جميع الامور التي حصل فيها الاشتباه ، وحينئذ لا يحكم بحلّيّة الجميع ، ولا يجوز استعماله محصورا كان أو غيره ، ويحكم بحلّيّة كلّ واحد وكلّ جملة منها إذا خرج منها واحد ، ويجوز استعماله.
وإذا علمت ذلك ، فاعلم أنّ الفروع له كثيرة وفي بعضها حكم معظم الأصحاب بالفرق :
منها : ما قالوا : إنّ النجاسة إذا كانت في موضع وجهل موضعها ، لم يسجد على شيء منه إن كان محصورا ، كالبيت وشبهه ، وإلاّ جاز على كلّ جزء منه ما لم يتحقّق السجود على مجموع ما وقع فيه الاشتباه.
ومنها : حكمهم بوجوب الاجتناب عن الإناءين المشتبهين والثوبين كذلك. ومن هذا القبيل ما قال بعضهم : إنّه لو علّق رجل ظهار إحدى زوجتيه على كون الطائر غرابا ، والاخرى منهما على كونه غير غراب ، وامتنع استعلام حاله يلزم عليه الاجتناب عنهما.
وغير خفي أنّه إذا ثبت الفرق بنصّ أو إجماع فلا كلام ، وإلاّ فالحكم ما قدّمناه (١).
المقام الثاني (٢) : في أصالة نفي الوجوب والاستحباب حتّى يثبت خلافه. وقد اتّفق عليه الجميع إلاّ بعض الأخباريّين ؛ حيث قالوا بوجوب الاحتياط بالفعل (٣).
لنا : أكثر الأدلّة المذكورة في المقام الأوّل.
احتجّ الخصم بما دلّ على الأخذ بالاحتياط (٤). وقد عرفت جوابه (٥).
وكيفيّة التفريع هنا ظاهرة. وممّا يتفرّع عليه طهارة كلّ شيء حتّى يعلم أنّه قذر ؛ لأنّ النجاسة ممّا يجب الاجتناب عنه ، فثبوتها يستلزم التكليف والأصل عدمه. ويمكن إثباته
__________________
(١) تقدّم في ص ٣٩٤.
(٢) تقدّم المقام الأوّل في ص ٣٨٧.
(٣) المراد من البعض هو الأسترآبادي في الفوائد المدنيّة : ١٩٢ ، كما حكاه عنه وعن بعض آخر الوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : ٢٤٠ ، الفائدة ٢٤.
(٤) راجع الفوائد الحائريّة : ٢٤٢ ، الفائدة ٢٤.
(٥) تقدّم آنفا.