وإمّا أن يكون الأصل فيه الحرمة ويشكّ في سبب الإباحة ، كمثال الثوب المخلوط من الحرير وغيره ، والجلد المطروح مع عدم قيام قرينة معيّنة ، فالظاهر من كلام جماعة البناء على التحريم (١). هذا ، إلاّ أن يغلب على الظنّ تأثير السبب.
وإمّا أن يتساوى فيه الاحتمالان ، كطين الطريق ، وثياب مدمن الخمر ، والحكم فيه أيضا الإباحة كالأوّل ، ووجهه ظاهر ممّا تقدّم (٢).
ثمّ أكثر الاصوليّين قسّموا الشبهة في الموضوع إلى الشبهة في المحصور والشبهة في غيره ، وأوجبوا الاجتناب في الاولى دون الثانية (٣). ومرادهم من غير المحصور ما كان كذلك عادة ـ بمعنى ـ تعسّر حصره ـ لا ما امتنع حصره ؛ لأنّ كلّ ما يوجد من الأعداد قابل للعدّ.
واحتجّوا عليه بأنّ القطع حاصل بوجود الحرام أو النجس بين الامور المحصورة ، فالحكم بحلّيّة الجميع مستلزم للحكم بحلّيّة الحرام القطعيّ ، والحكم بحلّيّة واحد منها دون غيره ترجيح بلا مرجّح. وهذا وإن كان جاريا في غير المحصور أيضا إلاّ أنّ التنزّه فيه عن الجميع يوجب الحرج المنفيّ بخلاف المحصور (٤).
وفيه : أنّ هذا ممنوع ؛ لأنّه كما يمكن الاجتناب عن الإناءين ، يمكن الاجتناب عن الأواني الكثيرة والرجوع إلى ماء آخر ، أو التيمّم من غير حرج. والاحتجاج على وجوب الاجتناب في المحصور بأنّه من باب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به (٥) ، يجري في غيره أيضا.
والجواب بأنّ الواجب مقدّمة واجب قطعيّ متعيّن وهنا ليس كذلك. ولو سلّم نقول : التخصيص جائز ؛ للأدلّة.
والحقّ ـ كما ذهب إليه بعض المحقّقين (٦) ـ : أنّ الحكم فيهما واحد وهو الإباحة ؛ لعموم
__________________
(١) قاله العلاّمة في تحرير الأحكام ٢ : ١٥١ ، والشهيد في ذكرى الشيعة ٣ : ٢٨ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٣١١ ، القاعدة ٩٩.
(٢) تقدّم في ص ٣٩٠.
(٣) قاله الشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٥٩٩ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٦٦ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ١ : ٥٠٣ ، والوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : ٢٤٧.
(٤) قاله الشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٥٩٩ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٦٦ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ١ : ٥٠٣ ، والوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : ٢٤٧.
(٥) راجع الحدائق الناضرة ١ : ٥٠٣.
(٦) منهم : المحقّق الحلّي في معارج الاصول : ٢٠٨ ، والوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : ٢٤١ ، الفائدة ٢٤.