نعم ، يمكن ادّعاء الظنّ على بقاء ما كان على ما كان ـ وجودا كان أو عدما ـ إلى أن يعلم المزيل ، كما يأتي في استصحاب حال الشرع (١).
وربّما استدلّ عليه بأنّ الله تعالى صوّب الكفّار في مطالبتهم البرهان من الرسل على نبوّتهم حتّى قال : ( تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ )(٢) ، والتصويب لأجل تمسّكهم بالنفي الأصلي وهو عدم النبوّة.
ثمّ أصل العدم أعمّ من كلّ من أصل البراءة والاستصحاب المذكور ، وهو ظاهر. ووجه حجّيّته يعلم ممّا ذكر فيهما.
وما ذكر في أصل البراءة (٣) من أنّه لا يجوز التمسّك به فيما يلزم منه ثبوت شغل الذمّة من جهة اخرى يأتي في أصل العدم أيضا ، فلا يصحّ أن يقال في الماء الملاقي للنجاسة المشكوك كرّيّته : الأصل عدم بلوغه كرّا ؛ للزوم الاجتناب عنه حينئذ.
وكيفيّة التفريع ظاهرة. مثلا إذا شكّ في كون المذي ناقضا للوضوء نقول : عدم نقضه كان ثابتا في السابق ، فكذا الآن. ومنه عدم وجوب الزكاة لو شكّ في بلوغ النصاب ، وعدم قتل الصبيّ الذي شكّ في بلوغه.
واعلم أنّ كلّ واحد من الاصول التي تنتهض حجّة لنفي الحكم إنّما يدلّ على سقوط التكليف به عنها ، لا على نفيه في الواقع ؛ لما عرفت من عدم دلالتها عليه (٤) ، ولاستفاضة الأخبار بأنّ لله في كلّ واقعة حكما مودعا عند الأئمّة عليهمالسلام إلاّ أنّهم لم يتمكّنوا من إظهار الجميع (٥).
نعم ، إن كان الحكم ممّا يعمّ به البلوى ولم يوجد دليل على ثبوته ، يمكن ادّعاء نفيه في الواقع ؛ لما يأتي (٦).
__________________
(١) يأتي في ص ٤٠١.
(٢) إبراهيم (١٤) : ١٠.
(٣) تقدّم في ص ٣٩٦.
(٤) تقدّم في ص ٣٨٩.
(٥) راجع : نهج البلاغة : ٦٨٦ ـ ٦٨٧ ، قصار الحكم : ١٤٧ ، والوافية : ١٧٩.
(٦) يأتي في ص ٤٠١.