|
زمان بطروّ شكّ لا يمكن الحكم بثبوت الحكم الثابت أوّلا فيه ، إلاّ أنّ الظاهر من الأخبار أنّه إذا علم وجود شيء ، يحكم به حتّى يعلم زواله (١). |
وأنت بعد الإحاطة بما تقدّم تعلم أنّ هذا التطويل لا طائل تحته ؛ فإنّك عرفت إمكان جريان الاستصحاب وحجّيّته فيما ذكره أوّلا من الحكم الذي ورد بطلبه أمر من الشارع ، وفي غيره أيضا. وإرجاعه الاستصحاب في الحكم الشرعي إلى الوضعي ، وجعله تابعا له مقلوب عليه.
وما ذكره من عدم تابعيّة ثبوت حكم في جزء من الزمان لثبوته في جزء آخر مع كون نسبة السبب في اقتضاء الحكم في كلّ جزء نسبة واحدة ، يتأتّى في نفس السبب أيضا ؛ فإنّ ثبوت السبب في جزء من الزمان ليس تابعا لثبوته في جزء آخر بعد ما جعله الشارع سببا في كلّ جزء.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ هذا الأصل أهمّ الاصول التي تبتني عليها الأحكام. والفروع له لا تحصى كثرة : كطهارة الكرّ إذا وجد متغيّرا وشكّ في تغيّره بالنجاسة ، أو بالأجون (٢) ، وإعادة الصلاة بالشكّ في الركعتين الاوليين أو في الثنائيّة أو الثلاثيّة ، والتحريم بالشكّ في انقضاء العدّة ، ووجوب أداء الزكاة والخمس بالشكّ في أدائهما ، وصحّة الصوم لو شكّ في عروض المفطر ، وصحّة الاعتكاف لو شكّ في عروض المبطل ، وكذا الشكّ في أفعال الوضوء والصلاة والحجّ بعد الفراغ عنها ، وجواز تصرّف الولي في مال الطفل إذا شكّ في بلوغه ، وحرمة الأكل بالشكّ في الغروب ، وجوازه بالشكّ في طلوع الفجر. وقس عليها أمثالها.
وقد أشرنا إلى شطر آخر منها أيضا فيما سبق (٣). ومن أحاط بها يجد أنّ جلّها من الصنف الأوّل ، فيجزم بحجّيّة الاستصحاب فيها ، والصنف الثاني منها نادر ، وإن عثر عليه لا يخفى عليه حقيقة الحال فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.
__________________
(١) قاله الفاضل التوني في الوافية : ٢٠٠ ـ ٢٠٣.
(٢) « الأجون » مذكّر الجوناء ، أي الأسود. راجع القاموس المحيط ٤ : ٢١٣ ، « ج ون » أو من « أ ج ن » ومصدره يكون « أجون » بمعنى تغيّر الماء من غير اختلاطه بشيء. راجع لسان العرب ١٣ : ٨ ، « أ ج ن ».
(٣) سبق في ٤٠٧ و ٤٠٨.