معاضدة بأخبار التوقّف ـ فيجب حملها على الاستحباب ؛ لئلاّ يلزم طرحها. وفي بعضها دلالة عليه (١). ومنه يظهر فساد القول الثالث.
ثمّ الاحتياط إمّا أن يكون فيما لا نصّ فيه ، أو فيما تعارض فيه النصّان. وكلّ منهما إمّا في نفس الحكم أو موضوعه. والحاصل أربعة. وكلّ منها إمّا أن يتحقّق بفعل واحد ، أو أفعال متعدّدة ، أو بالترك. فالأقسام اثنا عشر. وتعيين مواقع كلّ من الثلاثة الأخيرة مع أمثلة الكلّ واضح.
وممّا ينبغي أن ينبّه عليه أنّ الحكم إذا كان دائرا بين الحرمة وغيرها من الأحكام وإن كان وجوبا فالاحتياط فيه بالترك ؛ لدلالة بعض الأخبار عليه ، كرواية ابن حنظلة (٢) ، وموثّقة سماعة (٣).
والاستدلال عليه بأنّ دفع الضرّ أهمّ من جلب النفع (٤) ، يرد عليه أنّ الضرر يترتّب على ترك الواجب أيضا ، فالمناط ما ذكرناه.
هذا ، والذي يقوى في نفسي أنّ الاحتياط يستحبّ في مطلق ما لم يقطع به وإن صار راجحا بحسب الظنون الاجتهاديّة ، سواء كان في نفس الحكم ، أو موضوعه. وفيما تعارض فيه النصّان أو غيره ؛ لدلالة بعض العمومات والإطلاقات عليه ؛ ولأنّ وضع الأحكام الإلهيّة لأجل ترتّب المصالح والتأثيرات الواقعيّة عليها ، كما ذهب إليه العدليّة (٥) ، وهي إنّما تترتّب على الحكم الواقعي ، ولا ريب في حسن السعي في تحصيلها بتحصيل ما ترتّب عليه ، والقطع بتحصيله فيما لا طريق للعلم إليه إنّما هو بالاحتياط.
وإذا أحطت بما قصصنا عليك خبرا ، سهل عليك التفريع.
__________________
(١) تقدّم في ص ٣٨٩ ـ ٣٩٠.
(٢) الكافي ١ : ٦٧ ، باب اختلاف الحديث ، ح ١٠.
(٣) المصدر : ٦٦ ، باب اختلاف الحديث ، ح ٧.
(٤) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٢٥٩.
(٥) راجع : معارج الاصول : ٢٢٢ ، وكشف المراد : ٣٣ ، الباب الحادي عشر : ٢٦ ، مفتاح الباب ١٥٢ في مبحث العدل. والمراد من العدليّة : المعتزلة والإماميّة.