فيجب الخمس احتياطا ، أو كان ثبوته هو الأصل ، كصوم ثلاثين إذا غمّ الهلال ؛ إذ الأصل بقاء رمضان.
وغير خفيّ أنّه راجع إلى الاستصحاب الذي لا ريب في حجّيّته. والمجتهدون أيضا قالوا بالوجوب فيه ، لكنّهم لا يطلقون عليه اسم الاحتياط (١).
لنا : أمّا على عدم الوجوب ، فجميع الأدلّة المتقدّمة (٢) الدالّة على البراءة الأصليّة ، وقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ )(٣) ، وقوله : ( يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ )(٤) ، و ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(٥). وفتح باب الاحتياط ينافي اليسر والتخفيف ويؤدّي إلى الحرج.
وأمّا على استحبابه ، فاستفاضة الأخبار الواردة في موارد مختلفة بالأخذ به ، وهي دائرة بين دالّة على الأخذ بمطلقه (٦) ، ودالّة على الأخذ به فيما لا نصّ فيه (٧) ، ودالّة على الأخذ به فيما تعارض فيه النصّان (٨) ، ودالّة على الأخذ به عند الشبهة في الموضوع (٩) ، وقوله تعالى :
( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(١٠) ، و ( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ )(١١) ، و ( جاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ )(١٢) ، و ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )(١٣).
وقد تقدّم (١٤) أنّ أخبار الاحتياط لم تبلغ حدّا يقاوم أدلّة البراءة وتغلبها ـ وإن كانت
__________________
(١) قاله الوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : ٤٤٥ ، الفائدة ٢١.
(٢) تقدّمت في ص ٣٨٧ ـ ٣٨٨.
(٣) البقرة (٢) : ١٨٥.
(٤) النساء (٤) : ٢٨.
(٥) الحجّ (٢٢) : ٧٨.
(٦) الكافي ١ : ٦٦ ، باب اختلاف الحديث ، ح ٧.
(٧) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٦٦ ، ح ١٦٣١.
(٨) الكافي ١ : ٦٨ ، باب اختلاف الحديث ، ح ١٠.
(٩) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٥٩ ، ح ١٠٣١.
(١٠) التغابن (٦٤) : ١٦.
(١١) آل عمران (٣) : ١٠٢.
(١٢) الحجّ (٢٢) : ٧٨.
(١٣) المؤمنون (٢٣) : ٦٠.
(١٤) تقدّم في ص ٣٩١.