عمدا بصوم شهرين تحتّما ؛ لأنّ ذلك أزجر له عن المعاودة.
الثالثة : ما لم يشهد له الشرع بالاعتبار ولا الإلغاء. وهذه إن كانت لها مفسدة راجحة أو مساوية ، كانت ملغاة. وإن خلت عنها أو كانت راجحة ، فقد اختلف في حجّيّتها وصلاحيتها لإثبات حكم شرعي بها ، فذهب أصحابنا (١) والحنفيّة والشافعيّة إلى عدم حجّيّتها (٢) ، ونقل عن مالك القول بحجّيّتها حتّى قال : يضرب المتّهم بالسرقة محافظة على المال (٣). وأنكر أصحابه ذلك عنه (٤).
لنا : أنّا نرى أنّ الشرع ألغى بعض المصالح واعتبر بعضها ، والمرسلة متردّدة بينهما ، وإلحاقها بأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، فيجب الوقف عنها ، ولا يصحّ الاحتجاج بها.
احتجّ الخصم بأنّ الشرعيّات مبنيّة على المصالح ؛ لأنّ الحكمة باعثة على رعايتها ، فإذا وجد في شيء مصلحة صافية أو راجحة ، يجب أن يكون مشروعا ؛ لتعلّق داعي الحكمة به.
وبأنّ عدم اعتبارها يؤدّي إلى خلق قضايا كثيرة عن الحكم ؛ لعدم مساعدة الأدلّة المعروفة في الكلّ (٥).
والجواب عن الأوّل : أنّ الحكمة باعثة على رعاية المصالح إذا قطع بخلوّها عن جميع المفاسد ، والمقدّر عدم القطع ؛ لما مرّ (٦). وظنّ الخلوّ لا يكفي ؛ لأنّه ليس من الظنّ المعتبر في الأحكام ، وهو الحاصل عن أمارة شرعيّة.
وعن الثاني ظاهر.
ثمّ اعلم أنّ الفعل إمّا أن يشتمل على مصلحة صافية ، أو مفسدة صافية ، أو عليهما (٧) معا ، وهذه إمّا أن تكون مصلحة راجحة على مفسدته ، أو بالعكس ، أو مساوية لها. أو لا يشتمل
__________________
(١) راجع معارج الاصول : ٢٢١ و ٢٢٢.
(٢) حكاه الآمدي عن فقهاء الحنفيّة والشافعيّة في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ١٦٧ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٢٨٦.
(٣) حكاه عنه المطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ٣٨٧.
(٤) حكاه الآمدي عن أصحاب مالك في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ١٦٧.
(٥) حكاه المحقّق الحلّي عن مالك في معارج الاصول : ٢٢٢.
(٦) مرّ آنفا.
(٧) أي على مجرّد المصلحة والمفسدة بدون قيد « صافية » وإلاّ يلزم التناقض.