وأمّا الأصل ، فهو عند الفقهاء المحلّ المشبّه به الذي ثبت به الحكم ، كالخمر (١). وعند جماعة حكمه ، كحرمته (٢). وعند المتكلّمين دليل الحكم ، كقوله صلىاللهعليهوآله : « حرّمت الخمر » (٣).
وضعّف الأوّل : بأنّه لو انتفى الحكم من المحلّ ، لم يتأتّ القياس عليه ، فلا يكون أصلا.
و [ ضعّف ] الثالث : بأنّه لو علم الحكم بالضرورة ، أمكن القياس عليه وإن لم يكن عليه دليل ، فبقي الأصل إمّا حكم (٤) محلّ الوفاق ، أو علّته (٥).
وفيه : أنّ الكلام على فرض ثبوت الحكم في المحلّ ووجود دليل عليه ، وحينئذ لا مانع في تسمية كلّ واحد منهما أصلا ؛ لأنّ الأصل ما يبتنى عليه الشيء ، والحكم في الفرع وإن ابتنى ابتداء على الحكم في الأصل إلاّ أنّه يبتنى على دليله ومحلّه وعلّته أيضا بالواسطة ؛ لابتنائه عليهما.
فالحقّ أنّه لا بأس بتسمية كلّ من الأربعة أصلا.
وأمّا الفرع ، فهو عند الفقهاء المحلّ المشبّه الذي يراد إثبات الحكم فيه (٦) ، وعند الاصوليّين حكمه (٧).
وربّما قيل بأولويّة الثاني ؛ لأنّ الأوّل ليس متفرّعا على الأصل ، بل هو أصل الحكم الذي هو فرع القياس ، فهو أصل فرع. ويقابل بأنّ الثاني ثمرة القياس وفائدته ، فيتأخّر عنه ، فلا يكون من أركانه (٨).
فالحقّ أنّ لكلّ واحد من الأقوال في الأصل والفرع وجها صحيحا.
وقيل : الحكم والعلّة يتعاكسان أصالة وفرعيّة في محلّ الوفاق والخلاف ، فالحكم أصل للعلّة وهي فرع له في الأوّل ؛ إذ تستنبط بعد ثبوته ، والعلّة أصل للحكم وهو فرع لها في الثاني ؛ إذ يعلم ثبوته بثبوتها (٩). وله أيضا وجه صحيح.
__________________
(١ و ٢) حكاهما عن الفقهاء البصري في المعتمد ٢ : ١٩٧ ، والفخر الرازي في المحصول ٥ : ١٦.
(٣) كنز العمّال ٥ : ٤٩٨ ، ح ١٣٧٣٥.
(٤) منصوب بـ « كائنا » المقدّر قبل « إمّا ».
(٥) قاله الفخر الرازي في المحصول ٥ : ١٧.
(٦ ـ ٩) حكاهما البصري عن الفقهاء والمتكلّمين في المعتمد ٢ : ١٩٩. ولم يذكرا أقوال الاصوليّين ؛ لأنّ اصطلاحهم يبتني على اصطلاح الفقهاء ، كما أشار إليه المؤلّف ، والفخر الرازي في المحصول ٥ : ١٨ و ١٩.