وحكم آخر يوجبهما علّة واحدة ، والآخر متحقّق الوقوع في الفرع. فيقال : يثبت هذا الحكم في الفرع لثبوت الآخر فيه ، وهو ملازم له ، فيجمع بين الأصل والفرع في أحد موجبي العلّة ؛ لاجتماعهما في الموجب الآخر الملازم له ، ويؤول إلى الاستدلال بأحد الموجبين على العلّة ، وبها على الموجب الآخر ، ولكن يكتفى بذكر موجب العلّة عن التصريح بها.
و [ الجنس ] الثالث : ما لم يصرّح فيه بجامع أصلا ، وعلم الجمع بين الأصل والفرع في الحكم بنفي الفارق.
ثمّ الشقّ الثاني ـ وهو قياس العكس ـ : ينقسم أيضا إلى هذه الأجناس الثلاثة ؛ فإنّ إثبات نقيض حكم الأصل في الفرع قد يكون لوجود نقيض علّته فيه ، كما يقول الحنفيّة : لمّا وجب الصوم في الاعتكاف بالنذر ، وجب بغير نذر ، كالصلاة ، فإنّها لمّا لم تجب بالنذر ، لم تجب بغير النذر (١) ، فالحكم في الأصل عدم الوجوب بغير نذر ، وفي الفرع الوجوب بغير نذر ، والعلّة في الأصل عدم الوجوب بالنذر ، وفي الفرع الوجوب بالنذر ، فلمّا كانت العلّتان متناقضتين ، فالحكمان أيضا كذلك (٢).
وقد يكون لوجود لازم نقيضها فيه.
وقد يكون لتناقضهما المستلزم لتناقض حكمهما وإن لم يصرّح بعلّة للحكم أصلا. ومثالهما ظاهر.
هذا ، والظاهر أنّ المراد من التصريح بالعلّة في الجنس الأوّل أن يعلّل ثبوت الحكم بعلّة مطلقا ، أي سواء عرفت بنصّ ، أو إيماء ، أو استنباط ، أو غيرها ؛ وليس المراد منه أن تكون العلّة مصرّحة في الأصل حتّى يختصّ (٣) بمنصوص العلّة.
وعلى هذا ، يكون المراد من الجنس الثالث ما لم يعلّل الحكم فيه بعلّة أصلا ، بل لتساوي الأصل والفرع في جميع ما يصلح أن يكون سببا لاختلاف الحكم يحكم بثبوت الحكم في
__________________
(١) وحاصله أنّ الصوم في الاعتكاف واجب ، سواء وجب الاعتكاف بالنذر أم لا والصلاة فيه غير واجبة فيه ولو كان الاعتكاف واجبا بالنذر.
(٢) قاله البصري في المعتمد ٢ : ١٩٦. وحكاه الفخر الرازي في المحصول ٥ : ١٤ بعنوان : « إن قيل ».
(٣) أي القياس.