ومنها : السبر والتقسيم وهو حصر الأوصاف الموجودة في الأصل ـ الصالحة في بادئ الرأي للعلّيّة ـ في عدد ، ثمّ إبطال ما عدا الذي يدّعى أنّه العلّة واحدة كانت أو أكثر ، ويسمّى القياس حينئذ قياس السبر.
مثاله : كما يقال في قياس الأرز على البرّ في الربويّة : بحثنا عن أوصاف البرّ فما وجدنا ما يصلح أن يكون علّة للربويّة إلاّ الطعم والقوت والوزن ، لكنّ الطعم والقوت لا يصلحان لذلك عند دقيق النظر ، فتعيّن الوزن ، وهو موجود في الأرز ، فيكون ربويّا.
ومنها : الدوران ، وقد عرفت (١) أنّه الاستلزام في الوجود والعدم ، ويسمّى الأوّل الطرد ، والثاني العكس ، ولذا سمّي الدوران بالطرد والعكس ، ويسمّى القياس حينئذ « قياس الطرد ».
مثاله : كما يقال في قياس النبيذ على الخمر في الحرمة : العصير أوّلا لمّا لم يتّصف بالإسكار ، لم يكن حراما ، ولمّا حدث فيه وصف الإسكار حدثت فيه الحرمة ، وإذا صار خلاّ وزال عنه الإسكار ثانيا ، يزول عنه الحرمة أيضا. فيظهر أنّ الإسكار علّة للتحريم ، فيكون النبيذ حراما لوجوده فيه.
هذا ، وقد ظهر ممّا ذكرنا من أقسام القياس أنّ ثلاثة أقسام منه يسمّى قياس الطرد ، ونحن ـ للتمييز ـ نسمّي المقابل لقياس العكس قياس الطرد الأعمّ ، وقياس الدوران قياس الطرد المركّب ، والمقابل لقياس الشبيه قياس الطرد البسيط. ولمّا كان الصور المتقدّمة مندرجة تحت الأوّل ، وبعضها حجّة عندنا ، والباقي ليس بحجّة ، كما يأتي ، فبعض أقسامه مقبول والباقي ليس بمقبول ، ومن أقسامه التي ليست مقبولة قياس الطرد المركّب والبسيط.
واعلم أنّ كثيرا ما يستدلّ أصحابنا في كتبهم الفروعيّة على حكم بأنّه من باب اتّحاد طريق المسألتين لا القياس ، كما قالوا : يجب اليمين استظهارا مع البيّنة في الدعوى على الغائب والطفل والمجنون ؛ لمشاركتهم للميّت في العلّة المومى
__________________
(١) راجع ص ٤٢٤.