ومنها : الاقتران بوصف لو لم يكن للتعليل ، لكان بعيدا ، كواقعة الأعرابي المتقدّمة (١) ؛ فإنّه عرض واقعته على النبيّ صلىاللهعليهوآله لبيان حكمها ، والحكم الذي ذكره صلىاللهعليهوآله جواب له ؛ إذ لو كان مبتدئا ، لزم إخلاء السؤال عن الجواب ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ، فيكون السؤال حينئذ مقدّرا في الجواب ، فكأنّه قال : « واقعت فكفّر » فيرجع إلى سابقه ، إلاّ أنّه دونه ؛ لأنّ « الفاء » هنا مقدّرة وثمّة محقّقة ؛ ولاحتمال عدم قصد الجواب ، كما لو قال العبد : « طلعت الشمس » فقال السيّد : « اسقني الماء ». ولا يلزم تأخير البيان حينئذ عن وقت الحاجة في كلام الشارع ؛ لاحتمال معرفته بانتفاء حاجة المكلّف. وهذا وإن كان بعيدا إلاّ أنّه لإمكانه يصلح وجها للمرجوحيّة.
ويتفرّع عليه : أنّه لو قالت لرجل زوجته ـ واسمها فاطمة ـ : « طلّقني » ، فقال : « فاطمة طالق » ، ثمّ قال : نويت فاطمة اخرى ، طلّقت ، ولم يسمع ادّعاؤه ؛ لأنّ قوله جواب عن سؤالها ؛ فلا يطابق ادّعاءه ، بخلاف ما لو قال ابتداء : « طلّقت فاطمة » ، ثمّ قال : نويت فاطمة اخرى.
ويتفرّع عليه أيضا : أنّه إذا قالت له زوجته : إذا قلت لك طلّقني ما تقول؟ فقال : أقول : « أنت طالق » لا يقع عليه الطلاق ؛ لأنّه إخبار عن فعله في المستقبل ؛ عملا بالجواب المطابق للسؤال. نعم ، لو قصد التنجيز يطلّق. وقس عليهما أمثالهما.
ومنها : الاقتران بوصف لو لم يكن نظيره للتعليل ، لم يكن في ذكره فائدة ، كقوله عليهالسلام وقد سألته الخثعميّة : إنّ أبي أدركته الوفاة وعليه فريضة الحجّ ، فإن حججت عنه أينفعه؟ فقال صلىاللهعليهوآله : « أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، كان ينفعه ذلك؟ » قالت : نعم ، فقال : « فدين الله أحقّ بأن يقضى » (٢).
نبّه صلىاللهعليهوآله بذكر نظير ما سألته السائلة على التعليل به ، أي كونه علّة للنفع ، وإلاّ كان ذكره عبثا. ويحصل منه التنبيه على أنّ نظيره ـ وهو دين الله المسئول عنه ـ كذلك ، ففي مثل هذا تنبيه على أصل القياس ، وعلى علّة حكمه ، وعلى صحّة إلحاق الفرع به. والاصوليّون يسمّونه تنبيها على أصل القياس (٣).
__________________
(١) تقدّم تخريجه في ص ٤٤٠.
(٢) جامع الاصول ٣ : ٤١٩ ـ ٤٢٠ ، ح ١٧٤٧ ـ ١٧٤٨ ، ودعائم الإسلام ١ : ٣٣٦.
(٣) منهم : البصري في المعتمد ٢ : ٢١٤ ، والفخر الرازي في المحصول ٥ : ١٢٧ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٨٣.