وإن لم يعلم فيه ذلك لم يجز ، مثاله : قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ )(١) رتّب النهي على النجاسة ، فإن لم يكن لخصوصيّة نجاسة المشرك مدخليّة يكون تقريب مطلق النجاسة حراما ، وإلاّ كان الحكم مقصورا على مورده ، ولمّا لم يكن عدم مدخليّة الخصوصيّة معلوما لم يكن التعدية معلومة.
وبما ذكرنا ظهر أنّ تنقيح المناط إمّا قطعيّ أو ظنّيّ ، والحجّة هو الأوّل دون الثاني.
وظهر أيضا أنّ الحجّة على قواعد الأصحاب من أقسام قياس راجح التأثير بأيّ عنوان اطلق ـ كتنقيح المناط ، أو اتّحاد الطريق ، أو القياس بالطريق الأولى ، أو المنصوص العلّة ، أو القياس في معنى الأصل ، أو الجليّ ، أو القطعي ـ ما علم فيه العلّيّة وعدم مدخليّة خصوص الواقعة ، أو المساواة من كلّ وجه إذا كان الجمع بمجرّد نفي الفارق ، إمّا (٢) بالقطع ، أو بما ثبت حجّيّته شرعا ، كالنصّ ومثله.
والسرّ فيه ما يأتي من قطعيّة بطلان مطلق القياس على قواعدهم (٣).
فإن قلت : كيف يتصوّر حصول القطع بالعلّيّة؟
قلت : العلّة إن كانت عقليّة ـ أي كان للعقل مدخليّة في فهم العلّيّة ـ فلا ريب في إمكان حصول القطع بها ، إلاّ أنّ وجود مثله في الأحكام الشرعيّة نادر ، وإن كانت غير شرعيّة فقط ، فإنّ النصّ أو الإيماء على العلّيّة يمكن أن يبلغ حدّا يحصل معه القطع بالتعليل الشرعي ، وكما أنّ العلّة الواقعيّة يمتنع تخلّف معلولها عنها ، كذا يمتنع تخلّف الأحكام الشرعيّة المعلولة للعلل الشرعيّة عنها ، فالقطع بالعلّة الشرعيّة يستلزم القطع بالحكم الشرعيّ المعلّل بها ، فإن ورد التعليل من الشرع بطريق قطعي كالتواتر ، كانت العلّيّة وطريقها كلتاهما قطعيّة ، فيحصل القطع بالحكم. وإن ورد بطريق ظنّيّ ، كالآحاد ، أمكن القطع حينئذ بالعلّيّة إلاّ أنّ طريقها يكون ظنّيّة ، ولذا يحصل الظنّ بالحكم لا القطع به إلاّ أنّ الحجّيّة ثابتة ؛ لأنّ الفرض أنّ الطريق حجّة شرعا.
__________________
(١) التوبة (٩) : ٢٨.
(٢) هذا تقسيم للعلم المفروض في قوله : « ما علم فيه العلّيّة ».
(٣) يأتي في ص ٤٦١.