مثل أن يقال في خبر الخثعميّة : إنّ قوله صلىاللهعليهوآله فيه : « دين الله أحقّ بالقضاء » (١) يعطي الأولويّة ، ويمكن أن يكون تمثيلا ذكر للتنوير ، وهو الجواب عن الاحتجاج لقوله صلىاللهعليهوآله بعد ما سأله عمر عن قبلة الصائم : هل توجب الإفطار؟ : « أرأيت لو تمضمضت بماء ، ثمّ مججته أكنت شاربه؟ » (٢) ، على أنّا نطالبهم بصحّة هذه الأخبار.
ومنها : ما روي أنّه صلىاللهعليهوآله قرّر معاذا على قوله : « أجتهد رأيي » (٣).
والجواب : أنّه ضعيف سندا ؛ لإرساله ، ودلالة ؛ لإمكان إرادة استنباط الحكم من الأدلّة المعتبرة غير الكتاب والسنّة ، من الاجتهاد ، مع أنّه روي أنّه صلىاللهعليهوآله لم يقرّره على قوله ، بل أمره بالمكاتبة (٤).
فإن قيل : فيه شيء آخر أيضا ، وهو أنّ استلزام جواز القياس لمعاذ لجوازه لغيره في حيّز المنع إلاّ أن يقاس عليه ، فيدور.
قلت : بعد ثبوت الملزوم يعلم الاستلزام بمثل قوله : « حكمي على الواحد حكمي على الجماعة » (٥).
ومنها : إلحاق كلّ زان بما عزّ في وجوب الرجم بجامع الزنى (٦).
والجواب : أنّه بالإجماع ، أو بمثل قوله المذكور.
ومنها : أنّ القياس يفيد الظنّ ، والعمل بالظنّ واجب (٧). أمّا الصغرى فوجدانيّة ، وأمّا الكبرى فلأنّ بديهة (٨) العقل حاكمة بلزوم دفع المضارّ وجلب المنافع المظنونتين.
والجواب : أنّه لمّا كان في العمل به احتمال الضرر أيضا وجب التوقّف.
هذا ، مع أنّ القاطع دلّ على عدم جواز العمل بالظنّ في الأحكام إلاّ ما استثني ـ كما
__________________
(١) كنز العمّال ٥ : ١٢٣ ، ح ١٢٣٣١.
(٢) سنن أبي داود ٢ : ٣١١ ، ح ٢٣٨٥ ، وإحكام الفصول : ٤٩٤.
(٣) سنن أبي داود ٣ : ٣٠٣ ، ح ٣٥٩٢ ، وإحكام الفصول : ٥٠١.
(٤) راجع : سنن ابن ماجة ١ : ٢١ ، باب اجتناب الرأي والقياس ، ح ٥٥. باختلاف يسير ، وإحكام الفصول : ٥٠٢.
(٥) كشف الخفاء ١ : ٤٣٦ ، ح ١١٦١ ، والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة : ٢١٩ ، كتاب القضاء ، ح ١.
(٦) راجع الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٧٩ و ٢٨٠.
(٧) قاله الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٩٨.
(٨) في « ب » : « بداهة ».