وأمّا على الثالث ، فلما تقدّم (١).
وأمّا على الرابع ، فلأنّ المناسب بالذات إذا لم يكن حجّة ، فالمناسب بالواسطة أولى بذلك.
ثمّ لمّا أمكن أن يثبت علّيّة الشبه بجميع الطرق من النصّ والإجماع والسير وغيرها سوى المناسبة ، فإن ثبت علّيّته بإحدى الطرق المقبولة أفاد العلّيّة ، إلاّ أنّ ثبوت العلّيّة حينئذ بهذا الطريق لا بالشبه ، فهو ليس طريقا مستقلاّ دالاّ على العلّيّة ، ولا يثبت علّيّته بمجرّد المناسبة ، أي تخريج المناط ؛ إذ يخرجه حينئذ إلى المناسبة مع أنّه غيرها ، ولذا عرّف بما عرّف.
ثمّ إن ترتّب حكم على الشبه في محلّ أوّلا ، فهو العمل بنفس الشبه. وإن اثبت هذا الحكم في محلّ آخر إذا وجد فيه ، فهو العمل بالقياس عليه. وحقيقة الحال في المحلّين لا تخفى عليك بعد ما ذكر.
وقد عرّف بتعريفات أخر (٢) لا يعدّ بواحد منها من مسالك العلّة.
منها : أنّه الوصف المجامع لآخر إذا تردّد به الفرع بين أصلين ، أحدهما يشبهه في الصورة ، والآخر يشبهه في المعنى أو الحكم (٣). واعتبر الشافعي المشابهة المعنوية (٤) ، وابن عليّة الصوريّة (٥). وعلى أيّ تقدير فالأشبه منهما هو الشبه ، كالنفسيّة والماليّة في العبد المقتول خطأ إذا زادت قيمته على دية الحرّ ، فإنّه قد اجتمع فيه الوصفان. وبالأوّل يشابه الحرّ ومقتضاه عدم الزيادة على الدية. وبالثاني الدابّة ومقتضاه الزيادة ، إلاّ أنّه بالحرّ أشبه ؛ إذ مشاركته له في الأوصاف والأحكام أكثر. وحاصله تعارض مناسبين رجّح أحدهما.
وهذا ليس من الشبه المقصود في شيء ؛ لأنّ كلاّ من الوصفين مناسب ، وكثرة المشابهة
__________________
(١) تقدّم آنفا.
(٢) راجع : المستصفى : ٣١٦ و ٣١٧ ، وتهذيب الوصول : ٢٥٧ ، ونهاية السؤل ٤ : ١٠٥ ـ ١٠٧.
(٣) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٣٢٥.
(٤) الرسالة للإمام الشافعي : ٤٧٩ ، الرقم ١٣٣٤ ، وحكاه عنه الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٠٢.
(٥) حكاه عنه الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٠٣.