وقد اختلف في تفسير الوصف الشبهي حتّى قيل : لا يتحرّر في الشبه عبارة مستمرّة في صناعة الحدود (١).
فقيل : ما يوهم المناسبة من حيث التفات الشرع إليه في بعض المحالّ وليس بمناسب (٢) ، والوصف الطردي ما لا يوهمها أيضا فيشبه الشبهيّ الطرديّ من حيث عدم المناسبة ، ويتميّز عنه بأنّ الطردي وجوده كالعدم ، ويشبه المناسب من حيث التفات الشرع ، ويتميّز عنه بأنّ للمناسب مناسبة عقليّة وإن لم يرد الشرع بها ، كالإسكار للتحريم ، فإنّ كونه مزيلا للعقل وكونه مناسبا للمنع منه يحكم به العقل ولا يحتاج إلى ورود الشرع به. وقد أشرنا إلى هذا التفسير ومثاله (٣).
وقيل : ما ناسب الحكم بالتبع كالطهارة لاشتراط النيّة ، والطرد ما لم يناسبه أصلا كبناء القنطرة (٤) ، وبعبارة اخرى كان مستلزما لمناسب ، كالرائحة الفائحة المستلزمة للإسكار الذي هو المناسب بذاته للتحريم.
ولا يخفى أنّ القياس حينئذ نوع من قياس الدلالة ، وهو الجمع بين الأصل والفرع بما لا يناسب الحكم لكن يستلزم المناسب. والطردي حينئذ ما ليس بمناسب ، ولا بمستلزم له.
وقيل : ما لا يناسب الحكم لكن عرف بالنصّ تأثير جنسه القريب في الجنس القريب لذلك الحكم ، فمن حيث إنّه لا يناسب يظنّ عدم اعتباره في ذلك الحكم ، ومن حيث علم تأثير جنسه القريب ـ مع أنّ سائر الأوصاف ليس كذلك ـ يظنّ استناد الحكم إليه (٥).
وقيل : ما لا يثبت مناسبته إلاّ بدليل منفصل (٦).
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الشبه لا يدلّ على العلّيّة ، وليس بحجّة على كلّ واحد من التفسيرات.
أمّا على الأوّل والثاني ، فلأنّ المناسبة نفسها لا تفيد العلّيّة ، وليست بحجّة فضلا عمّا يوهمها أو يستلزمها.
__________________
(١) لعلّ القائل هو إمام الحرمين الجويني كما يستظهر من إرشاد الفحول ٢ : ١٣٧.
(٢) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٣٢٧ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ١٠٦.
(٣) تقدّم في ص ٤٤٤.
( ٤ ـ ٦ ) حكاها الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٠١ ـ ٢٠٥ ، والمطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ١٠٧ ـ ١١٢ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٣٢٧ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ١٠٦ ـ ١١٢.