مثاله ما يقال في عدم إزالة النجاسة بالخلّ : مائع لا يبنى القنطرة على جنسه ، فلا يجوز إزالة النجاسة به كالدهن (١).
والحقّ أنّه لا يفيد العلّيّة وليس بحجّة ؛ لأنّ الدوران كذلك ، كما يأتي (٢) ، فهو أولى بذلك ، ولأنّ الاطّراد كون الوصف بحيث لا يوجد إلاّ وقد وجد معه الحكم ، وهذا لا يثبت إلاّ إذا ثبت أنّ الحكم حاصل بنفسه في الفرع ، فلو توقّف معرفة ثبوت الحكم في الفرع على كون الوصف علّة ، واستند علّيّته إلى كونه مطّردا ، لزم الدور.
احتجّ الخصم ـ وهم جماعة من العامّة ـ بأنّ عادة الشرع إلحاق الفرد النادر بالأعمّ الأغلب ولا دور ؛ لأنّا لا نحتجّ بالمقارنة في جميع الصور على العلّيّة ، بل فيما عدا الفرع (٣).
وفيه : أنّ المقارنة لو دلّت على العلّيّة لدلّت في صورة المقارنة ، والفرع لم يثبت فيه المقارنة ، فإلحاقه بما ثبت فيه المقارنة يحتاج إلى دليل. غاية ما في الباب حصول ظنّ بإلحاق الفرد بالأغلب ، ومثله لا يصلح لتأسيس الحكم الشرعي ، سيّما على قواعدنا (٤) ؛ لما عرفت (٥) من قطعيّة بطلان القياس. والعجب أنّ بعضهم بالغ وقال : يكفي مقارنته في صورة واحدة لإفادة العلّيّة (٦).
ولا يخفى أنّ تجويزه يفتح باب الهذيان. فظهر أنّ قياس الطرد البسيط باطل مطلقا.
ثمّ إثبات الحكم في صورة المقارنة ـ كإثبات عدم إزالة النجاسة بالدهن ـ عمل بنفس الطرد ، وإثبات الحكم في صورة عدم المقارنة ـ كإثباته بالخلّ ـ عمل بقياس الطرد البسيط.
ولمّا ظهر عليك كيفيّة التفريع مرارا ، فلا نطيل الكلام بإعادتها.
__________________
(١) راجع : الخلاف ١ : ١٨ ، المسألة ٨ ، والمبسوط للسرخسي ١ : ٩٦ ، وبداية المجتهد ١ : ٨٣ و ٨٤ ، والمجموع ١ : ٩٢ و ٩٥ ، والمحصول ٥ : ٢٢٥.
(٢) يأتي في ص ٤٨٧ ، الفصل ١٤.
(٣) قاله الغزالي في المستصفى : ٣٢٣ ، والفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٢١ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ١٣٥ و ١٣٧.
(٤) راجع مبادئ الوصول : ٢٢٦ و ٢٢٧.
(٥) تقدّم في ص ٤٦١.
(٦) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٢١ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ١٣٧.