لا توجب انتفاء كلّ مفسد ، ولو سلّم ، فلا يصحّح علّيّته إلاّ بوجود مقتض للعلّيّة ؛ لأنّ رفع المانع وحده لا ينتهض علّة مقتضية.
وأمّا الثاني ، فلأنّ الانعكاس ليس شرطا في العلّيّة ، كما يأتي ، فليس شرطا في صحّتها.
واجيب بأنّه قد يكون للمجموع أثر ليس لكلّ واحد من أجزائه ؛ فإنّ كلّ واحد من أجزاء العلّة المركّبة لا يصلح علّة ، ويحصل من اجتماعها مجموع هو العلّة (١).
وعلى ما اخترناه ، فجوابه أنّ كلّ واحد من الاطّراد والانعكاس يفيد ظنّا ما ، ومن اجتماعهما يتقوّى الظنّ.
وثانيهما : أنّ الدوران قد وجد في محالّ متعدّدة لم يثبت فيها العلّيّة ، كما في المتضايفين ، والعلّة والمعلول المتساويين ؛ لامتناع كون المعلول علّة لعلّته والمعلولين المتساويين وأجزاء العلّة المساوية لها ؛ فإنّها دائرة معها مع انتفاء العلّيّة ، وشرائط المعلول المساوية له ؛ فإنّها دائرة معه ومع علّته مع انتفاء العلّيّة ، ولوازم المعلول ؛ فإنّها دائرة معه ، ولوازم العلّة ؛ فإنّها دائرة معها ومع المعلول ، كالرائحة المخصوصة الملازمة للمسكر ؛ فإنّها توجد بوجوده وتعدم بعدمه وليس بعلّة ، والحدّ والمحدود والجسم واللون والحركة والزمان وغير ذلك (٢).
واجيب بأنّ ارتفاع العلّيّة فيها لمانع ، والمبحث ما لم يوجد فيها المانع (٣). هذا.
واعلم أنّ الدوران بين الوصف والحكم قد يتحقّق في محالّ متعدّدة ، كالدوران في الكيل وتحريم التفاضل ؛ فإنّه قد تحقّق كلّ واحد من جزءيه ـ أي الطرد والعكس ـ في محالّ متعدّدة ، فالأوّل قد وجد في البرّ والشعير والسمن والملح وغيرها ، والثاني قد وجد في الثياب والحيوان والأسلحة وغيرها.
وقد يتحقّق في محلّ واحد ، كما في الإسكار والتحريم ؛ فإنّ الدوران بينهما قد وجد في محلّ واحد وهو العصير. والمتحقّق في محلّ واحد إمّا أن يكون بالحدوث والزوال مرّة أو
__________________
(١) نسبه الفخر الرازي إلى الخصم في المحصول ٥ : ٢١٨ و ٢١٩ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٣٣١.
(٢) قاله الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٢٢ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٣٣٢ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٢٥٧.
(٣) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢١٠ ـ ٢١٦ ، وقاله الأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ١٢٥.