محلّين ، كما في الكيل وتحريم التفاضل ؛ فإنّ أحد جزءيه ـ وهو الطرد ـ تحقّق في البرّ مثلا ، والآخر ـ وهو العكس ـ يتحقّق في الثياب مثلا.
وقد اختلف في إفادته للعلّيّة على أقوال (١) ثالثها : أنّه يفيدها ظنّا لا قطعا (٢). وهو الحقّ ، إلاّ أنّ مثل هذا الظنّ لا يصلح أن يكون مؤسّسا لحكم شرعي. فعلى هذا يحكم بثبوت جميع الأحكام الدائرة مع الأوصاف في الموادّ المخصوصة التي ثبت فيها الترتيب من الشرع ، ولا يقطع بعلّيتها لها حتّى أمكن القياس عليها ، فيبطل قياس الطرد المركّب.
ثمّ لمّا كان العمل في المحالّ التي ثبت فيها الدوران بقول الشارع لما به ، فلا يتحقّق العمل بنفس الدوران ، كما لا يجوز العمل بالقياس على محالّه. هذا.
ولنا على ما اخترناه أنّ الحادث لا بدّ له من علّة ولم يظفر بعلّة غير المدار ، فبضميمة أصالة العدم يحصل الظنّ بعلّيّة المدار. وأيضا إذا وجد الدوران ولا مانع من العلّيّة من معيّة ، كما في المتضايفين ، أو تأخّر كما في المعلول ، أو غيرهما ، كما في الشرط المساوي حصل الظنّ بها ، وذلك ممّا يقضي به العادة ؛ ويؤكّده أنّه إذا دعي الإنسان باسم مغضب فغضب ، ثمّ ترك فلم يغضب وتكرّر ذلك ، علم عادة أنّه سبب الغضب ، ولا يفيد القطع بالعلّيّة ؛ لجواز عدم احتياج الحكم الدائر إلى العلّة ، أو كون العلّة غير المدار ، أو قصر علّيّته على محلّ الدوران.
واحتجّ من قال بإفادته للعلّيّة قطعا (٣) بأمثال ما ذكرناه ، وهو لا يفيد أزيد من الظنّ ، كما عرفت (٤).
واحتجّ من أنكر إفادته للعلّيّة مطلقا بوجهين :
أحدهما : أنّ الطرد لا يؤثّر ، والعكس لا يعتبر (٥).
أمّا الأوّل ، فلأنّ الاطّراد أن لا يوجد الوصف بدون الحكم ، ووجوده بدونه هو النقض. فالاطّراد هو السلامة عن النقض ، وهو أحد مفسدات العلّة. والسلامة عن مفسد واحد
__________________
(١) حكاها الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٣٣٠.
(٢) نسبه الآمدي إلى القاضي أبي بكر الباقلاني في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٣٣٠.
(٣) حكاه الرازي في المحصول ٥ : ٢٠٧ ، والآمدي عن بعض المعتزلة في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٣٣٠.
(٤) تقدّم آنفا.
(٥) قاله الغزالي في المستصفى : ٣١٥ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٣٣٠ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٢٥٧.