لا تصلح للعلّيّة ، لا لعدم ظهور المناسبة ، بل لعدم النصّ من الشرع.
ومنها : أن تكون وصفا ظاهرا منضبطا في نفسه ، ضابطا للحكمة ، أي جلب المصالح ودفع المفاسد. ولا يجوز أن تكون حكمة مجرّدة مطلقا. هذا ما ذهب إليه الأكثر (١). وقيل : يجوز مطلقا (٢). وقيل : يجوز إذا كانت ظاهرة منضبطة ، ولا يجوز إذا كانت خفيّة أو مضطربة (٣).
احتجّ الأكثر بأنّ الحكمة المجرّدة إمّا خفيّة ، كالرضى في التجارة. أو غير منضبطة ، كالمشقّة ؛ فإنّها ذات مراتب ؛ إذ تختلف بالأشخاص والأحوال ، وليس كلّ مرتبة منها مناطا ، ولا يمكن تعيين ما هو المناط ، والوقوف على المناط في الامور الخفيّة وغير المنضبطة ممّا يتعذّر ، والتكليف به من غير التعيين يؤدّي إلى عسر وحرج ، مع أنّ المألوف من عادة الشرع ردّ الناس إلى المظانّ الجليّة ، ولذا نيط الرضى في التجارة بصيغ العقود ؛ لكونها ظاهرة ضابطة له ، والمشقّة بما يلازمها ويضبطها وهو السفر.
وبأنّه لو جاز التعليل بالحكمة المجرّدة ، لوقع من الشارع ؛ لأنّ ربط الحكم بما هو المقصود الأصلي أحرى من ربطه بمظنّة ، واللازم منتف بالاستقراء.
وبأنّه لو جاز ، لم يعتبر الشرع المظانّ إذا خلت عن الحكمة ، واعتبر الحكمة وإن لم يتحقّق معها مظنّتها ؛ إذ تحقّق المباينة لا يضرّه عدم المظنّة ، واللازم منتف ؛ لأنّه اعتبر السفر وإن خلا عن المشقّة ، كسفر الملك المرفّة ، ولم يعتبر المشقّة إذا لم تحصل من السفر ، كحضر أولي الصنائع الشاقّة من الحمّالين والملاّحين (٤).
والجواب عن الأوّل : منع الحصر ؛ فإنّ بعض الحكم ظاهرة منضبطة. ولو سلّم فنقول ، تعيين المناط من الحكمة غير المنضبطة ممكن للشارع ، ولو لم يمكن ، لم يمكن في
__________________
(١) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٨٧ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٢٤ و ٢٢٥ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٢٦٧ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٢٦٠ ـ ٢٦٢.
(٢) قاله الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٨٧.
(٣) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٢٤.
(٤) تقدّم آنفا.