وثانيهما : أنّ معنى مناسبة الوصف للحكم أنّ مصلحة (١) حاصلة عند الحكم ، والحكم الواحد يحصّل المصلحة المقصودة منه ، فإذا حصل الحكم الثاني فإن حصّلها مرّة اخرى ، لزم تحصيل الحاصل ، وإلاّ لزم كونه عبثا (٢).
وجوابه قد ظهر من تقرّر (٣) الدليل.
وكيفيّة التفريع : أنّه إذا حلف أن يفعل ما يحرّمه الحيض ، يجب عليه الصوم والصلاة ومسّ المصحف وغيرها ممّا يحرم على الحائض ، وعلى القول بعدم جواز تعليل الأحكام بعلّة واحدة لم يلزم وجوب الجميع.
ثمّ لا فرق فيه بين العلّة المنصوصة والمستنبطة على فرض صحّتها ؛ لجريان دليل الصحّة فيهما ، فلمن يعمل بها أن يعلّل أحكاما بواحدة منها ، كأن يعلّل كراهة استقبال الريح عند البول ، والجلوس جنب من يبول مستقبلا له ، والمرور تحت ميزاب يترشّح منه البول بإمكان إصابته بالثوب أو البدن.
[ المبطل ] الثالث (٤) : الكسر وهو نقض يرد على الحكمة ؛ فإنّ العلّة إذا لم تكن حكمة بل مظنّتها (٥) ، فشرط قوم أن يكون حكمتها مطّردة ـ أي كلّما وجدت وجد الحكم ـ فوجودها بدون العلّة والحكم سمّوه كسرا ، وقالوا : إنّه يبطل العلّيّة.
مثاله : أن يقول الحنفي في المسافر العاصي بسفره : مسافر مترخّص في سفره كغير العاصي ، وبيّن مناسبة السفر للرخصة بما فيه من المشقّة (٦) ، فيعترض عليه بأنّ ما ذكرته من الحكمة ـ وهي المشقّة ـ منتقضة ؛ لوجودها في الصنائع الشاقّة في الحضر مع عدم الحكم (٧) ، أي الترخّص.
__________________
(١) في « أ » : « مصلحته ».
(٢) قاله المطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ٢٩٩ و ٣٠٠ ، والأسنوي في نهاية السؤل.
(٣) كذا في النسختين. والأولى « تقرير ».
(٤) أي للعلّيّة. مرّ الأوّل في ٥٠٦ ، والثاني في ٥١٢.
(٥) والمراد بالمظنّة ـ كما يأتي ـ هو موضوع الحكمة كالسفر ، فإنّه مظنّة المشقّة ، وهي الحكمة لقصر الصلاة. وقد يراد من علّة الحكمة موضوعها.
(٦ و ٧) قالهما الغزالي في المستصفى : ٣١٥ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٥٢ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ١٤٥ و ١٤٦.