ثمّ الكسر إمّا أن يكون لتخصيص ، أو مانع ، أو انتفاء شرط ، أو بدون شيء منها.
فعلى الأوّل لا يقدح في العلّيّة ، كما في النقض. والتخصيص هنا إنّما يتصوّر في الحكمة المنصوصة ، سواء كانت العلّة أيضا منصوصة أو لا ـ لو أمكن وجود حكمة منصوصة كانت مظنّتها مستنبطة ـ بأن ينصّ الشرع على كون ما هو الحكمة للحكم حكمة له ، فثبت كونه حكمة له بظاهر عامّ في محلّ الكسر وغيره ، ويكون دلالتها على وجود الحكم في محالّها ، كدلالة اللفظ العامّ على أفراده ، فيجوز تخصيصه بغير محلّ الكسر.
وأمّا إذا لم يكن الحكمة منصوصة ـ وإن كانت العلّة منصوصة ـ فلا معنى لكونها عامّة حتّى يجوز تخصيصها ، بل يجوز تخلّف الحكم عن الحكمة حينئذ لمانع أو انتفاء شرط ، فهما في الحكمة المستنبطة ، كما في النقض.
وعلى هذا يجوز أن يكون الكسر في حكمة لوجود المانع أو انتفاء الشرط ، والنقض في مظنّتها للتخصيص إذا كانت الحكمة مستنبطة والعلّة منصوصة ، وبالعكس إذا جاز العكس ، وأن يكونا (١) معا للتخصيص إذا كانتا (٢) منصوصتين ، وللمانع أو انتفاء الشرط إذا كانتا مستنبطتين.
ثمّ ما تقدّم في النقض (٣) ـ من أنّ التخصيص لا ينفكّ في الواقع عن وجود مانع أي معارض وإن لم نعلمه بعينه فيقدّر ـ يأتي هنا أيضا.
وعلى الثاني (٤) فقيل : يقدح مطلقا (٥). وقيل : لا يقدح مطلقا (٦).
والحقّ أنّه لا يقدح إن كان قدر الحكمة في محلّ النقض أقلّ من قدرها في محلّ التعليل ، كما إذا اعترض على التعليل في المثال المذكور بصنعة الحياكة في الحضر بأنّ ما ذكرته من الحكمة ـ وهي المشقّة ـ موجودة فيها مع عدم جواز الحكم وهو
__________________
(١) أي الكسر والنقض أي المبطل الأوّل والثالث.
(٢) أي الحكمة والعلّة أو المظنّة فإنّ المراد من العلّة والمظنّة هو معروض الحكمة وموضوعها كالسفر والرمّان.
(٣) تقدّم في ص ٥٠٦.
(٤) أي الكسر وعدم الحكم بدون ما ذكر من التخصيص والمانع وانتفاء الشرط.
(٥) قاله العلاّمة في تهذيب الوصول : ٢٥٩.
(٦) قاله الأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ١٥٢ و ٢٠٧.