الترخيص للحائك ؛ فإنّ البداهة حاكمة بأنّ قدر المشقّة في الحياكة في الحضر أقلّ من قدر المشقّة في السفر.
وكذا لا يقدح إن ثبت في محلّ النقض حكم آخر أولى وأليق بتحصيل تلك الحكمة ، كما لو قال المعلّل : إنّما قطع اليد باليد للزجر ، فيعترض عليه بأنّ حكمة الزجر منتقضة ؛ لأنّ مقصود الزجر عن القتل العمد العدوان أزيد ، ولم يشرع فيه الحكم ، أي القطع.
فيجيب بأنّ الحكمة المقصودة وإن كانت في محلّ النقض أزيد ، لكن ثبت فيه حكم آخر أولى بالحكمة وأليق بتحصيلها وهو القتل ؛ فإنّه أشدّ زجرا من القطع ؛ لأنّه يحصل به القطع ، وهو إبطال اليد وزيادة ، أي إبطال ما عداها ، فيحصل فيه رعاية أصل الحكمة وزيادة ، فلا يلزم عدم اعتبارها.
ويقدح إن كان قدرها فيه مساويا لقدرها في محلّ التعليل أو أزيد منه ، ولم يثبت فيه حكم هو أولى بالحكمة.
لنا : أنّ المفروض الحكمة الخفيّة ، أو غير المنضبطة التي يعسر ضبطها لاختلاف مراتبها بوجوه شتّى ، ولم يكن كلّ قدر منها موجبا للحكم ، ولم يمكن تعيين القدر المعتبر منها ، فضبطها الشرع ؛ نظرا إلى إعادته من ردّ الناس إلى المظانّ الواضحة بوصف ضابط لها ، وجعله أمارة لها ؛ لاشتماله على القدر المعتبر منها الذي هو مناط الحكم ، فهو ليس باعثا حقيقيّا بشرع الحكم ، بل الباعث له بالذات هو قدر الحكمة الذي هو ضبطه ، فإن وجد هذا القدر أو أزيد منه في محلّ النقض [ و ] (١) لم يثبت فيه حكم أولى به من الحكم الثابت فيما يراد نقضه ، قدح في العلّيّة ؛ لأنّ الحكمة لو لم تعتبر لوجودها بدون الحكم ، فكيف يعتبر ما هو وسيلتها؟ فإنّه لو لم يعتبر المتبوع المقصود بالذات ، فالتابع المقصود بالعرض أولى بذلك.
وأمّا إذا لم يوجد هذا القدر فيه ، بل وجد فيه قدر أقلّ ، فلا يقدح في العلّيّة ؛ لأنّ عدم اعتبار الأضعف لا يوجب عدم اعتبار الأقوى الذي هو مناط الحكم. وكذا لا يقدح لو ثبت
__________________
(١) أضفناه للضرورة.