في محلّ النقض حكم أولى بالحكمة وإن وجد فيه القدر المناط أو أزيد ؛ لما ذكر.
وبما ذكر ظهر أنّ مساواة الفرع للأصل في الحكم وصحّة قياسه عليه ، تتوقّف على مساواته له في الحكمة ؛ إذ لا يلزم من الأقلّ ؛ لأنّه قد لا يعتبر ، ومن الأكثر ؛ إذ قد لا يحصل بذلك الحكم ، بل يفتقر حصوله إلى حكم آخر فوقه.
فإن قلت : إذا شكّ في المساواة والزيادة والنقصان ولم يعلم واحد منها بعينه ، فهل يقدح في العلّيّة؟
قلنا : الحقّ لا ؛ لأنّ وجود العلّة في الأصل قطعيّ ، ومساواة قدر الحكمة في محلّ النقض لقدرها في محلّ التعليل أو زيادته عليه مشكوكة ، والشكّ لا يعارض القطع. فإن رجّح قول المعترض بمعاضدته لأصالة عدم الحكم ، رجّح قول المعلّل بموافقته لما ظهر من دليل العلّة من المناسبة والاعتبار ، فيتعارضان ، ويبقى ما ذكر أوّلا سالما عن المعارض.
ثمّ نظر من قال إنّه يقدح مطلقا إلى أنّ المناط والباعث هو الحكمة ، فإذا انتقضت بطلت العلّيّة (١). وذهل عن احتمال كون قدرها في محلّ النقض أقلّ ، أو وجود حكم فيه هو أولى بتحصيل تلك الحكمة.
ونظر من قال إنّه لا يقدح مطلقا إلى أنّ الشرع لمّا ضبطها بوصف منضبط في نفسه ، ضابط لها (٢) ، فكأنّه أعرض عنها وجعله المناط والعلّة ، فإذا لم يرد عليه نقض ، لم يبطل العلّيّة وإن انتقضت الحكمة ؛ لأنّها ليست بعلّة.
وغفل عمّا ذكرنا من أنّه الوسيلة ، والمقصود بالعرض والباعث الحقيقي هو الحكمة ، فإذا انتقضت ، بطلت العلّيّة. هذا.
وبما ذكرناه ظهر أنّ جواب الكسر إمّا منع وجود القدر المناط من الحكمة ، وهو الموجود في الأصل والفرع في محلّ النقض ، أو بيان إمكان ثبوت حكم فيه هو أولى بالحكمة ، أو أحد الأجوبة المذكورة في النقض. والكلام عليها هنا خلافا ، وسؤالا ، وجوابا ، واختيارا كالكلام عليها هناك من دون فرق.
__________________
(١) الناظر هو العلاّمة في تهذيب الوصول : ٢٦٠.
(٢) هو الأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ١٥٢ ـ ١٥٤.