وهو عمل بالقياس ؛ لأنّه عليهالسلام قاس السكر على القذف في وجوب ثمانين جلدة بجامع كونه مظنّة الافتراء (١).
واحتجّ الآخرون بأنّ فيها تقديرات لا يعقل معناها ، ولا يدركها العقل ، كأعداد الركعات ، ونصب الزكوات ، وأعداد الجلدات ، وغير ذلك. وبأنّ في القياس شبهة ؛ لاحتمال الخطأ فيه ، فيجب أن يدرأ به الحدود ، أي لا يثبت به ؛ لقوله عليهالسلام : « ادرءوا الحدود بالشبهات (٢) » (٣).
واجيب عن الأوّل بأنّ المبحث ما يعقل معناه كالأمثلة المذكورة ؛ فإنّ العلّة والحكم فيها معلومتان (٤) ، وأمّا ما لا يعقل معناه ، فلا كلام في عدم جريان القياس فيه ، كغير الحدود والكفّارات ، ولا مدخليّة لتخصيص المنع بها.
وعن الثاني بالنقض بخبر الواحد والشهادة ؛ فإنّ احتمال الخطأ يجيء فيهما ، مع أنّ الحدود تثبت بهما (٥).
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ الحقّ على اصول العامّة ما ذهب إليه الشافعيّة ؛ لقوّة أدلّتهم وضعف أدلّة الحنفيّة ، كما عرفت (٦) ، ولأنّ الحنفيّة أثبتوا كثيرا من الحدود والكفّارات والرخص والتقديرات بالقياس ، وكثرت أقيستهم فيها ، ولذا ناقضهم الشافعي بها ، وأجابوا عنه بتأويلات بعيدة (٧). وكذا على اصولنا لو لا الإجماع على خلافه ؛ لعدم تعقّل الفرق بينها وبين غيرها من الأقيسة ؛ نظرا إلى عموم الأدلّة وإن كان باقي أدلّة الشافعي غير صحيح عندنا إلاّ أنّ الظاهر وفاق الأصحاب على بطلان العمل به فيها مطلقا.
وممّا يتفرّع على جواز إثبات الرخص به عدم بطلان صلاة الخوف بضربات متوالية ، أو
__________________
(١) حكاه الآمدي عن الشافعي وأحمد بن حنبل وأكثر الناس في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٦٤ و ٦٥.
(٢) الجامع الصحيح ٤ : ٣٣ ، ح ١٤٢٤ ، وكنز العمّال ٥ : ٣٠٥ ، ح ١٢٩٥٧.
(٣) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٣٥٢ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٦٥.
(٤) كذا في النسختين. ولكنّ تغليب المؤنّث على المذكّر غير معتاد.
(٥) المجيب هو الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٦٦.
(٦) آنفا.
(٧) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٦٤ ، والمعتمد ٢ : ٢٦٤ ، وتهذيب الوصول : ٢٧٠.