حاجة إلى وصفين آخرين يكون أحدهما سببا في الأصل ، والآخر سببا في الفرع.
وإن لم يكن ، فيكون قياسا خاليا عن الجامع ؛ لأنّ الحكمة المضطربة لا يصحّ أن تكون جامعة ؛ لاحتمال التفاوت فيها بين الأصل والفرع ، واحتمال التساوي إن كان كافيا فيكفي هذه الحكمة المضطربة ، ولا حاجة إلى الوصفين.
وعلى الأوّل إمّا أن يقال بصحّة جعل الحكمة المنضبطة مناطا للحكم وجواز التعليل بها ، أو لا. فعلى الثاني إمّا أن يكون لها مظنّة أو وصف ظاهر يضبطها ، أو لا ، فإن كان ، فهو المناط للحكم ، وإن لم يكن ، لم يصحّ التعليل والجمع بين الأصل والفرع بها.
وعلى الأوّل تكون الحكمة مستقلّة بإثبات الحكم ، وتكون هي الجامعة بينهما ، وصار القياس في الحكم المرتّب على الحكمة ، ولا حاجة إلى الوصفين ، فيتّحد الحكم والسبب أيضا. مثلا : إذا ثبت أنّ إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرّم شرعا يصلح سببا للحكم ، صار القياس في وجوب الجلد في اللواط كما في الزنى بجامع هذا الوصف ، فيكون هناك حكم واحد هو وجوب الجلد ، وسبب واحد هو الإيلاج المحرّم ، وكان المفروض أنّ هناك حكمين : الجلد والسببيّة ، وسببين : الزنى واللواط.
احتجّ الخصم بأنّه يثبت القياس في الأسباب كما في المثالين (١).
وجوابه : أنّ النزاع فيما يختلف السبب والحكمة في الأصل والفرع ، وليس الأمر فيهما (٢) وفي أمثالهما كذلك ؛ لأنّ كلاّ من السبب والحكمة فيهما في الأصل والفرع واحد ؛ فإنّ السبب في مثال الزنى واللواط في الأصل والفرع إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرّم شرعا واحد ، لا نفس الزنى واللواط ، والحكمة الزجر لحفظ النسب ، والحكم وجوب الحدّ. وفي مثال المثقل والمحدّد السبب القتل العدوان ، والحكمة الزجر لحفظ النفوس ، والحكم وجوب القصاص. هذا.
ويمكن جعل النزاع لفظيّا بأن يقال : مراد القائل بصحّة القياس في الأسباب ثبوت الحكم بالوصفين ؛ لما بينهما من الجامع ، ويرجع إلى ما ذكر من وحدة السبب والحكمة.
__________________
(١) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٦٧ و ٦٨.
(٢) أي في المثالين.