فكلّ دليل لا يتمكّن المستدلّ من الاحتجاج به في مسألة باعتبار ، فيرد فيه هذا السؤال ، فإذا استدلّ على مسألة عقليّة بالإجماع ، فيمكن الاعتراض عليه بأنّه لا يعتبر في العقليّات. وقس عليه غيره.
النوع الثاني : فساد الوضع ، وهو إبطال وضع القياس المخصوص ، وتركيب مقدّماته في إثبات الحكم المخصوص ، بأن يدّعى أنّه وضع في هذه المسألة قياس لا يصحّ وضعه فيها ، فحاصله منع التمكّن من القياس المخصوص. وحاصل فساد الاعتبار منع التمكّن من القياس مطلقا ، فكلّ فاسد الوضع فاسد الاعتبار ، ولا عكس ؛ لأنّ القياس قد يكون صحيح الوضع وإن فسد اعتباره بأمر من خارج وهو أيضا قد يرد في غير القياس من الأدلّة. والتفصيل لا يخفى على المتدرّب.
ثمّ إبطال الوضع في القياس إنّما يكون بأربعة وجوه :
الأوّل : دعوى وقوعه فيما يمتنع فيه التعليل ، كالحدود ، والكفّارات ، وأمثالهما.
وجوابه : بيان صحّة التعليل فيه.
الثاني : دعوى وقوعه في مقابلة النصّ ، فيكون باطلا.
وجوابه : أحد الأجوبة المذكورة في فساد الاعتبار.
الثالث : دعوى كون الجامع مناسبا لنقيض الحكم ، كما لو قيل في مسألة النكاح بلفظ الهبة : ما ينعقد به غير النكاح لا ينعقد به النكاح ، كالإجارة ، فيعترض عليه بأنّ انعقاد غير النكاح به يناسب انعقاد النكاح به لا عدم انعقاده به.
وجوابه : القدح في مناسبة المعترض ، أو ترجيح مناسبة على مناسبة ، وإنّما يعتبر القدح في مناسبة الوصف إذا كان مناسبته للحكم ونقيضه من وجه واحد.
وأمّا إن اختلف الوجهان ، فلا يقدح فيها ؛ إذ قد يكون للوصف جهتان يناسب بإحداهما الحكم ، وبالاخرى نقيضه ، ككون المحلّ مشتهى يناسب إباحة النكاح لا راحة الخاطر ، والتحريم لقطع الطمع.
الرابع : دعوى كون الجامع قد ثبت اعتباره بنصّ ، أو إجماع في نقيض الحكم ، كما إذا قيل في التيمّم : مسح فيسنّ فيه التكرار ، كالاستطابة ، فيورد أنّ المسح قد ثبت اعتباره في